الأحد، 24 يناير 2010

محاضرات في مقاصد الشريعة

لا بد قبل تعريف المقاصد من ذكر أقسامها على وجه العموم ، حتى يتميز القسم الذي نستهدفه بهذه المحاضرات .
فالمقاصد على ثلاثة أقسام :
1. مقاصد الخالق من الخلق : وهي أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً قال تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) .
2. مقاصد الخالق من وضع الشريعة : وهذا هو الذي نحن بصدده .
3. مقاصد المكلفين : وهي المقاصد المعبر عنها بقاعدة : الأمور بمقاصدها ، وهي التي تتناول النية وأثرها في الأحكام.
تعريف مقاصد الشريعة :
1- تعريفها باعتبارها مركباً 2- تعريفها باعتبارها لقباً .
v 1- تعريفها باعتبارها مركباً :ـــ
مقاصد: جمع مقصد ، والمقصد مصدرميمي ، مأخوذ من الفعل قصد ، يقال : قصد يقصد قصداً ومقصداً ، وهذه الكلمة لها ثلاث معان أصلية هي :
1. إتيان الشيء وأمه. 2- الكسر والانكسار. 3- الاكتناز في الشيء.
لكنها في اللغة تطلق على معانٍ كثيرة هي :
1. الاعتماد والأم وطلب الشيء وإتيانه والتوجه إليه ، يقال :قصده ، وقصد له وقصد إليه إذا أمّه ، وأقصده السهم إذا أصابه في مقتل.
2. استقامة الطريق، ومن ذلك ، قوله تعالى : ( وعلى الله قصد السبيل ) ، أي على الله تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة.
3. العدل والتوسط وعدم الإفراط ، ومن ذلك قوله تعالى : ( واقصد في مشيك ) ،(ومنهم مقتصد) .
4. القرب ، يقال : بيننا وبين الماء ليلة قاصدة: أي هينة سهلة ، ومنه قوله تعالى : ( لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ) أي موضعا قريبا سهلا.
5. الكسر بأي وجه كان حسيا أو معنويا ، يقال : قصدت العود قصداً أي كسرته ومنه القِصدة: القطعة من الشيء إذا تكسر ، وانقصد الرمح إذا انكسر.
6. الاكتناز في الشيء ، يقال : ناقة قصيد أي مكتنزة لحماً، ومن ذلك تسمية قصيدة الشعر بهذا الاسم لأن أبياتها تكون تامة الأبنية.
هذه أهم إطلاقات المقصد في اللغة العربية أما المعاني الأصلية فهي ثلاثة كما تقدم .
وبعد استعراض هذه المعاني نلاحظ أن المعنى الأول هو الذي يتناسب مع المعنى الاصطلاحي لأن الأم والاعتماد وإتيان الشيء والتوجه إليه كلها تدور حول إرادة الشيء والعزم عليه ، مع أن المعنيين الثاني والثالث( الاستقامة والعدل ) لهما صلة ظاهرة بالمعنى الاصطلاحي.
تعريف الشريعة :
أصلها في اللغة : مورد الشاربة التي يشرعها الناس فيشربون منها ويستقون ، ولذا يقال شريعة الماء ، قال ابن فارس : واشتق من ذلك الشرعة في الدين والشريعة ، قال تعالى : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) وقال تعالى : ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر ) فالشريعة غلب إطلاقها على الدين والملة والمنهاج والطريقة والسنة .
وفي الاصطلاح :
اسم لكل ما سنه الله لعباده من الأحكام عن طريق نبي من أنبيائه عليهم السلام .
لكنها بعد الرسالة المحمدية أضحت مصطلحا يراد به شريعة الإسلام على وجه الخصوص.
وبعد تمحض العلوم الإسلامية وتميزها غلب إطلاقها على نوع خاص من الأحكام في الإسلام وهو الأحكام العملية فصارت تقابل الأحكام الاعتقادية، ولذا يقال : الإسلام عقيدة و شريعة ، ولا مشاحة في الاصطلاح. تعريف مقاصد الشريعة باعتبارها لقبا أو علما على عِلم معين :
إن المتأمل في كتب المتقدمين من علماء أصول الفقه كالجويني والغزالي والآمدي والعز بن عبد السلام وابن تيمية وغيرهم ، لا يمكنه أن يظفر بتعريف جامع مانع لمقاصد الشريعة، وإنما يجد أن عبارتهم في ضبط المصطلح تدور حول أمرين :ـ
1. بيان المقصد الأصلي من تشريع الأحكام وهو جلب المصلحة ودفع المضرة.
2. حصر المقاصد وتعدادها وبيان وجوه رعايتها، ووجوب المحافظة عليها.
قال الغزالي : ، ومقصود الشرع من الخلق خمسة ، وهو أن يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم ، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.

بل إن الشاطبي - وهو أشهر من تحدث عن المقاصد- لم يعرفها بتعريف جامع مانع ، وإنما قسمها تقسيما خاصا به فجعلها على قسمين:
1) قصد الشارع 2) قصد المكلف
ثم قسم قصد الشارع إلى أربعة أقسام :
1. قصده من وضع الشريعة ابتداءً : وهو أنه وضعها لمصالح العباد في الدارين.
2. قصده في وضعها للإفهام : وقد تناول تحته مباحث اللغة ، وأن الشريعة جاءت باللغة العربية ، والقضايا المتعلقة بكون القرآن نزل باللغة العربية وكذلك السنة ....... الخ.
3. قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها : وقد بحث تحته اشتراط القدرة في التكليف، وأن الشارع لم يكلف الخلق إلا بما يستطيعونه ويقدرون عليه، وتناول تحته قضايا التيسير والحرج وما إلى ذلك.
4. قصده في دخول المكلف تحت حكم الشريعة : وهو أن يتخلص المكلف من داعية هواه ، وأن يكون عبداً لله اختياراً كما أنه عبد لله اضطراراً.
لكن بعض الباحثين المتأخرين الذين تصدوا للتأليف في هذا العلم حاولوا أن يضبطوا المقاصد بتعريف يميزها عن غيرها، ومن أشهر هؤلاء ما يلي ـ:
1) ابن عاشور :
محمد الطاهر بن عاشور كان مفتي تونس في عصره توفي سنة 1393هـ ،ويعد من أشهر من عرف المقاصد ، حيث عرفها بأنها : المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة .
وقد ذكر رحمه الله : أنه يدخل في ذلك أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع من ملاحظتها ، كما يدخل فيه أيضاً معانٍ من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها.
وعرفها ابن عاشور في موضع آخر من كتابه : بأنها الأعمال والتصرفات المقصودة لذاتها والتي تسعى النفوس إلى تحصيلها بمساع شتى أو تحمل على السعي إليها امتثالاً.
2) علال الفاسي :
المتوفي سنة 1394هـ ،
وقد عرف مقاصد الشريعة : بأنها الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها .
3) أحمد الريسوني :
عرف المقاصد بأنها : الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد .
4) يوسف العالم :
عرفها : بأنها المصالح التي تعود إلى العباد في دنياهم وأخراهم سواء أكان تحصيلها عن طريق جلب المنافع أو عن طريق دفع المضار.

5) محمد اليوبي :
عرفها :أنها المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عموماً وخصوصاً من أجل تحقيق مصالح العباد.
وهناك العديد من التعريفات الأخرى ، وممن عرف المقاصد كذلك الحسني، والخادمي، والزحيلي وخليفة بابكر الحسن ،ويوسف البدوي، وغيرهم مما كتب في هذا العلم، وجميع هؤلاءعرفوها بتعريفات تبدو في ظاهرها مختلفة لكنها متقاربة وتدور حول معنى واحد يجمع هذه التعريفات جميعاً ،
وأنسب تعريف لمقاصد الشريعة أن يقال : أنها الغايات التي وضعت الشريعة من أجلها والحكم والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها .
وسبب اختيار هذا التعريف :
أنه يشمل المقاصد العامة والخاصة : فالمقاصد العامة هي التي جعل الله هذه الشريعة من أجلها كالضروريات الخمس و الكليات المهمة الأخرى كالعدل، ورفع الحرج، والمساواة، والائتلاف، وغيرها.
والمقاصد الخاصة أو الجزئية وهي التي تختص بكل باب من أبواب التشريع كالمقاصد الخاصة بالعبادات، والمعاملات ، وأحكام الأسرة ، والجنايات والحدود ونحوها.
والتعبير عن المقاصد بالغايات ورد على ألسنة العلماء المتقدمين وإن لم يكن لهم تعريفات جامعة مانعة لمقاصد الشريعة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : الغايات المحمودة في مفعولاته ومأموراته سبحانه وتعالى وهي ما تنتهي إليه مفعولاته ومأموراته من العواقب الحميدة تدل على حكمته البالغة .
ويقول في تعريف الحكمة : هي الغايات والمقاصد في أفعاله سبحانه .
ويقول: المقاصد في الأقوال والأفعال هي عللها التي هي غاياتها ونهاياتها .
المصطلحات ذات الصلة بالمقاصد :
هناك مصطلحات ذات صلة بالمقاصد لابد من تعريفها وبيان الفرق بينها وبين المقاصد :
1. الحكم : جمع حكمة ، والحكمة في اللغة من الفعل حكم ، والحاء والكاف والميم أصل واحد بمعنى منع ، ومنه الحَكَمة وهي اللجام الذي يمنع الفرس من الاضطراب ، والحكم بسكون الكاف المنع من الظلم ، وحكمت السفيه وأحكمته إذا أخذت على يديه ، والحكمة هذا قياسها لأنها تمنع من الجهل، ويطلق الحكم على القضاء باعتبار أن الحاكم يمنع الظلم.
الحكمة في الاصطلاح العام : هي وضع الشيء في موضعه .
ويعبر بها بعض العلماء عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم ، و لذلك يقال لمن يحسن دقائق الأشياء حكيم.
ويعرفها الشريف الجرجاني : بأنها هيئة القوة العلمية المتوسطة بين الغريزة التي هي إفراط هذه القوة والبلادة التي هي تفريطها .
الحكمة في الاصطلاح الشرعي : تطلق على العلم والفقه المستند إلى النظر الخاص والفهم الدقيق ، قال تعالى ( يؤتي الحكمة من يشاء ) وقال سبحانه: ( ولقد آتينا لقمان الحكمة ).
وإذا اقترنت الحكمة بالكتاب فالمراد بها السنة ، كما نص على ذلك الإمام الشافعي ونسبه إلى الأئمة بعض العلماء قبله .
وهذه الإطلاقات والمعاني ليست موضع بحثنا هنا، بل ما يهمنا معنى هذا المصطلح عند علماء الأصول والذي يتكرر كثيرا في باب القياس.
المراد بالحكمة عند علماء الأصول: يعبر علماء الأصول أو لنقل جمهورهم بالحكمة عن الغاية من التعليل، وهي جلب المصلحة أو دفع المفسدة، ولهذا نجد أن أغلب تعريفاتهم لها تدور حول هذا المعنى .
يقول الرازي : (وهو أبو بكر الفخر الرازي المتوفي 606هـ ) – معرفا لها- الحاجة إلى تحصيل المصلحة ودفع المفسدة وهي التي يسميها الفقهاء بالحكمة.
ويقول ابن الهمام الحنفي : (من علماء الحنفية متوفي عام 861هـ ) : الحكمة هي جلب مصلحة أو تكميلها أو دفع مفسدة أو تقليلها .
ويقول الزركشي : وهي الحاجة إلى جلب مصلحة أو دفع مفسدة ،
فهناك جمع من الأصوليين يرون أن الحكمة هي المعنى العام الذي يعبر عن الغاية من التعليل.

ويرى بعض علماء الأصول : أن الحكمة مرادفة للعلة فيفسرون العلة بالحكمة .
قال ابن قدامه : والثالث- أي المعنى الثالث للعلة - إطلاقه بإزاء الحكمة كقولهم المسافر يترخص لعلة المشقة.
ويقول الشاطبي : وأما العلة فالمراد بها الحكم والمصالح التي تعلقت بها الأوامر أو الإباحة ، والمفاسد التي تعلقت بها النواهي.
فالمشقة مثلاً علة لإباحة القصر ، والفطر في السفر كما يرى الشاطبي ..
والحق أن إطلاق العلة على الحكمة والعكس إنما هو من باب المجاز ، لأن العلة أخص وأدق من الحكمة كما سيأتي .
وقد حاول بعض علماء الأصول ضبط الحكمة بتعريف يفصلها عن العلة ومن هؤلاء:
السرخسي : حيث عرفها بأنها المعنى الذي يكون به الوصف علة موجبة للحكم شرعاً.
والآمدي حيث عرف الحكمة بأنها: المعنى المقصود للشرع من إثبات حكم أو نفيه .
فالحكمة باختصار : هي :المعنى المناسب الذي قصده الشارع من الحكم.
ومن هنا تظهر صلة هذا المصطلح بمصطلح المقاصد ، حيث نلاحظ أن البعض يجعل الحكمة مرادفة للمقصد ، في حين يرى آخرون أن الحكمة في باب القياس أعم من المقصد، لأن المراد بها المعنى المناسب الذي جعل لأجله الوصف علة، سواء كان هذا المعنى مقصداً شرعياً صريحاً كالمشقة في السفر أو مجرد مصلحة مخيلة مناسبة كجعل الغضب علة لتحريم قضاء القاضي وهو غضبان ، فإن الحكمة هي تشويش الفكر، ولهذا يمكن أن توجد في غير الغضب من شدة البرد أو الحر أو حال الجوع أو العطش أو نحو ذلك.

2. العـلل : جمع علة ، والعلة في اللغة لها ثلاثة معانٍ أصلية هي :
‌أ) التكرر أو تكرار الشيء، ومنه العلل ، يقال : علل بعد نهل، فالشربة الأولى تسمى : النهل ، والشربة الثانية تسمى : العلل ، يقال : علّ أي شرب مرة أخرى بعد أن نهل في المرة الأولى.
ب‌) العائق الذي يعوق عن فعل شيء ، يقال : لا تعدم خرقاء علة.
قال الخليل : العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه .
ج ) الضعف في الشيء ، يقال : فلان معتل أي مريض ، وفلان عليل أي مريض ، والعّلُ : الرجل المسن الذي تضاءل جسمه.
وأماالعلة في اصطلاح الأصوليين :
فقد اختلفوا في تعريفها تبعاً لاختلاف آرائهم في حدودها ،وأثرها، وما يصح التعليل به وما لا يصح، ولهم في ذلك أقوال كثيرة أهمها ما يأتي : ـ
1. أنها المعرف للحكم بمعنى :ـ أن الشارع جعلها أمارة وعلامة على الحكم فمتى وجدت وجد الحكم ، وهو مذهب أكثر الأشاعرة، واختاره جمع من علماء الأصول، كالصيرفي والدبوسي والبيضاوي والرازي والزركشي.
2. أنها الموجبة للحكم لا لذاتها وإنما يجعل الشارع لها موجبة للأحكام، وهو مذهب جمع من علماء الأصول، واختاره الغزالي.
3. أنها الموجبة للحكم بذاتها لا بجعل الله ، وهو قول المعتزلة بناء على قاعدتهم في التحسين و التقبيح العقليين .
4. أنهاالموجبة للحكم بالعادة وهو اختيار الرازي .
5. أنها الباعث على تشريع الحكم ، بمعنى : أنه لا بد أن يكون الوصف مشتملا على حكمة صالحة أن تكون مقصودة من شرع الحكم، وهو اختيار عدد من علماء الأصول، كالآمدي وابن الحاجب ،وهو ما انتهى إليه الشاطبي الذي يفسر العلة بالحكمة.
وهذه الأقوال وإن بدت مختلفة ، إلا أنها في حقيقة الأمر ليست كذلك إذا ما استثنينا قول المعتزلة المبني على أصلهم الباطل ، وذلك لأن الخلاف بينها عائد إلى الاعتبارات فمن نظر إلى أن المكلف يتعرف بواسطة العلة على الحكم قال أنها المعرف أو الأمارة أو العلامة ،ومن نظر إلى أن الحكم المبني عليها يحقق مصلحة للعباد أو يدفع مفسدة عنهم قال : بأنها موجبة ومؤثرة وباعثة ،وكل ذلك بجعل الله لها وليس بذاتها، فالعلة الحقيقية شرعاً هي الحكمة، والوصف الظاهر المنضبط مظنة لها ، يقول ابن الحاجب في شأن الحكمة : لأنا نعلم قطعاً أنهاهي المقصودة للشارع، واعتبر المظنة لأجلها لمانع خفائها واضطرابها، ولأجل هذا المعنى الأخير أعني خفاء الحكمة واضطرابها نجد أن علماء الأصول قد اختلفوا في حكم التعليل بها في حين أنهم متفقون على جواز التعليل بالوصف الذي يعد مظنة لها وأمارة عليها، ولذا وبناء على هذه الرؤية يمكن القول بأن التعريف المختار للعلة هو : أنها الوصف الظاهر المنضبط المشتمل على المعنى المناسب لتشريع الحكم.
العلاقة بين المقصد والعلة :
من خلال ما تقدم نلاحظ أن بينهما صلة وثيقة خصوصاً عند من يرى أن العلة هي الباعث على تشريع الحكم وأنه لا فرق بينهما وبين الحكمة، وتظهر الصلة بينهما كذلك على التعريف المختار للعلة وهو أنها الوصف الظاهر المنضبط المشتمل على المعنى المناسب لتشريع الحكم ، من حيث إن الوصف المناسب هو مظنة المعنى المؤثر والأمارة الدالة عليه ، والمعنى المؤثر هو جلب المصلحة ودفع المفسدة ، وهذا هو المقصد العام في الشريعة الإسلامية والذي تؤول إليه كافة المقاصد.

3. المصالح :
لغة : جمع مصلحة وهي في اللغة كالمنفعة وزناً ومعنى ، والصلاح هو الخير والصواب في الأمر .
وأما في الاصطلاح : فقد اختلفت وجهات نظر علماء الأصول في ضبط المصلحة ، فمنهم من يعبر بها : عن النفس المقصود للشارع، ومنهم من يعبر بها عن اللذات والأفراح ، فالعز بن عبد السلام يرى أن المصلحة شيء زائد من اللذة والفرح وليست مجرد شيء عادي .. ،
والصحيح هو ما اختاره الغزالي حينما قال : أما المصلحة فهي عبارة في الأصل عن جلب مصلحة أو دفع مفسدة،ولسنا نعني بها ذلك ، فإن جلب المنفعة ودفع المفسدة من مقاصد الخلق ، وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم لكنا نعني بالمصلحة : المحافظة على مقصود الشرع من الخلق .
ثم قال رحمه الله بعد أن ذكر المقاصدالضرورية :
فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة ، وإذا أطلقنا المعنى المخيل والمناسب في كتاب القياس أردنا به هذا الجنس.
ومن خلال كلام الغزالي تظهر العلاقة الوثيقة بين المقاصد والمصالح من جهة أن المصلحة لا تعتبر شرعاً إلا إذا كانت محققة لمقصد شرعي ، ومقاصد الشريعة كلها مصالح للعباد في الدنيا والآخرة.
إثبات المقاصد للشريعة الإسلامية :
v أو لنقل :الأدلة على وجود مقاصد للشريعة :
لابد قبل ذكر الأدلة على وجود مقاصد للشريعة الإسلامية من الإشارة ولو باختصار إلى المسألة الكلامية التي انبنى عليها هذا الأصل ، وهي مسألة تعليل الأحكام ، فهل أفعال الباري سبحانه وتعالى وأحكامه معلله أم لا ؟ هذه مسألة كلامية مشهورة وأهم الأقوال فيها ما يلي :
1. أن أحكام الله غير معللة بل خلق المخلوقات وأمربالمأمورات لا لعلة ولا باعث ، وإنما فعل ذلك بمحض المشيئة والإرادة ، وهذا قول الأشعرية والظاهرية نفاة القياس ، واختاره الرازي ودافع عنه ، وحاصل هذا القول: أن الله سبحانه وتعالى قادر على إيجاد المصلحة بدون أسبابها ، وإعدام المضار بدون دوافعها .
2. أن أحكام الله معللة ، لأنه يجب عليه فعل الأصلح لعباده، وهو مذهب المعتزلة الذين زعموا أن تصرفه سبحانه مقيد بالحكمة ، مضيق بوجه المصلحة والغرض ، وإليه مال بعض فقهاء الحنفية .
3. أن أحكامه معللة ، بمعنى : أنها شرعت لمصالح العباد في المعاش والمعاد ، فمن استقرء جزيئات الشريعة أدرك وجه رعاية الحكمة فيها وهو مذهب أهل السنة والجماعة، وبه قال عامة الفقهاء وهذا هو القول المختار في المسألة.

الأدلة على إثبات المقاصد للشريعة الإسلامية:
1. الاستقراء : فإن المتتبع لأحكام الشريعة الإسلامية يجزم بأنها وضعت لمصالح العباد في المعاش والمعاد ، وهذا الاستقراء لا ينكره إلا معاند.
2. النصوص الدالةعلى وجود مقاصد للشريعة، وهذه النصوص وردت بأساليب متنوعة ،أهمها ما يلي :ـ
1) النصوص الدالة على وصف الباري سبحانه بالحكيم ، وهذا يقتضي أن تكون أحكامه مشروعة لمقاصد وغايات ، وليست من قبيل العبث ، وقد وصف الله سبحانه وتعالى نفسه بالحكمة فيما يزيد عن مائة موضع في القرآن.
2) النصوص الدالة على أنه سبحانه أرحم الراحمين ، قال تعالى ( ورحمتي وسعت كل شيء ) ، وقال:(وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) ولو لم تكن أوامره من أجل الحكمة والمصلحة وإرادة الإحسان إلى عباده لما كانت رحمة لهم ، ولما حصلت بها الرحمة اتفاقاً، ولأجل هذا كانت الرحمة هي الغاية من بعثة النبي عليه السلام ، حيث يقول سبحانه : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) .
3) النصوص الدالة على أهمية القرآن، وعظم فائدته للخلق، ووصفه بأنه نور، وحياة، وروح ، ومنها 1- قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) ،
2- قوله تعالى : ( إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ)
3- قوله تعالى : ( وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) .
4- قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ )
5- قوله تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )
6- قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا )
ولا شك أن وصف القرآن بالشفاء والهدى والرحمة والنور ،وأنه سبب للحياة والفرح وأنه خير من كل شيء ، يدل على أنه قد جمع مصالح الدنيا والآخرة ، والقرآن هو أساس الشريعة .
4) النصوص الدالة على وصف الرسول عليه السلام بالحرص على الأمة والرأفة بهم ،
كقوله تعالى :(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيمٌ)
ومثلها النصوص التي دلت على أن رسالته عليه السلام جاءت لتحقيق كل خير ودرء كل شر
كقوله تعالى :(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ والإنجيل يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ )
ولأن هذه الرسالة اشتملت على المصالح كلها، فقد امتن الله على عباده المؤمنين بإرسال رسوله إليهم
قال تعالى : ( لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) .
5) النصوص الدالة على أن حكمه سبحانه أحسن الأحكام ،
كقوله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، وما ذاك إلا لأن حكمه مطابق للحكمة والمصلحة المقصودة،والاستفهام الإنكاري في هذه الآية دليل صريح على هذا الأمر، فإن الله سبحانه نفى أن يكون حكم أحد أحسن من حكمه مهما بلغ ذلك الحاكم من الحكمة والمعرفة ورجاحة العقل.
6) النصوص التي جرى التصريح فيها بالحكمة والعلة ،أو بمعنى آخر: النصوص التي جرى فيها بيان علة الحكم وسببه، وهي نصوص كثيرة، بعضها في أصول الدين، وبعضها في فروعه ، فمن الآيات التي جرى التصريح فيها بالحكمة والعلة وسبب تشريع الحكم في أصول الدين:
1- قوله تعالى : - في شأن التقرير على التوحيد -( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) ، أي ما سبب وما علة وما حكمة تقريرهم على ذلك ؟ ! ولماذا أشهدهم على أنفسهم ؟ ! حتى لا يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين .. وفي هذا إقامة للحجة عليهم.
2- قوله تعالى :(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) .
3- قوله تعالى :( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) ، أي أن العلة من إرسالك و الحكمة من بعثك : رحمة العالمين والشفقة بهم.
4- قوله تعالى :(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )
5- قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً )
6- قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) أي أن الغاية من خلق الجن والأنس هي عبادته سبحانه.
7- قوله تعالى : (وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) ،أي: لأننا سنجعلكم شهوداً على الناس جعلناكم أمة وسطاً ،ولهذه فسرت الوسطية في الآية بالعدالة ، لأن الشاهد يشترط فيه أن يكون عدلاً.
8- قوله تعالى :( وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ )
9- قوله تعالى :(إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ )
10- قوله تعالى:(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبينات وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) فلام التعليل في هذه الآيات تبين العلة والسبب والحكمة من تشريع هذه الأحكام .
ومن الآيات التي جرى التصريح فيها بالحكمة في فروع الدين وتفاصيله :
1- قوله تعالى - بعد أن بين لنا الوضوء -:( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم ويتم نعمته عليكم ) فالهدف من هذا التفصيل في الطهارة والوضوء ليس الحرج والعنت ، وإنما قصد التطهير وإتمام النعمة.
2- قوله تعالى : ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )
3- قوله تعالى : ( فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ )
4- قوله تعالى : ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )
5- قوله تعالى : ( إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) .
6- قوله تعالى : ( ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب ) .
والتصريح بالحكمة والمقصد كما ورد في القرآن ورد في السنة كذلك كقوله عليه السلام :
1- ( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ).
2- النهي عن ادخار لحوم الأضاحي ( إنما نهيتكم من أجل الدافة ) ، الحكمة : كان النبي عليه السلام في بداية تشريع الأضحية ينهى عن ادخار لحوم الأضاحي، ثم بعد ذلك سمح بالادخار ، وقال إنما نهيتكم من أجل الدافة، وهم الفقراء الذين يتوافدون على المدينة في موسم الأضاحي.
3- النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة و خالتها ، قال عليه السلام معللا هذا الحكم: ( فإنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ) ، فالعلة من تحريم الجمع أن ذلك يكون سببأ في تقطيع الأرحام.
4- الحكمة من مشروعية زيارة القبور ، قال عليه السلام ( فإنها تذكركم بالآخرة )
7) النصوص التي بينت بعض المقاصد العامة أو الخاصة للشريعة الإسلامية ، والفرق بين هذه النصوص والنصوص السابقة : أن النصوص السابقة عبارة عن آيات وأحاديث ذكرت فيها علة الحكم المذكورأو حكمته، وأما هذه النصوص فقد تضمنت التصريح بمقصد عام أو خاص من مقاصد الشريعة ، ومنها:
1- قوله تعالى: ( وما جعل الله عليكم في الدين من حرج ) ، فهذا النص يدل على أن من مقاصد الشريعة رفع الحرج.
2- قوله تعالى : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )
3- قوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ) ، فهذه الآيات كلها تنص أو تثبت بشكل واضح مقصداً عاماً من مقاصد الشريعة.
4- قوله تعالى :(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
فهذه الآية اشتملت على عدة مقاصد عامة ، وقد ذكر العز بن عبد السلام أنها تتضمن الأمر بالمصالح وأسبابها، والنهي عن المفاسد وأسبابها.
من أمثلة هذه النصوص من السنة : ـ
1- قوله عليه السلام: ( لا ضرر ولا ضرار ) .
2- وقوله عليه السلام: ( يسروا ولا تعسروا ) .
3- وقوله عليه السلام: ( إن هذا الدين يسر ) .
4- وقوله عليه السلام: ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه )
( إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ...... )

ومن الأمثلة على التصريح بالمقصد الجزئي أو الخاص:

قوله عليه السلام : ( لا يحل مال أمريء مسلم إلا بطيب نفس منه أو بطيب من نفسه ) فمن أهم المقاصد الخاصة بالمعاملات : الرضا

3. دليل العقل : فإن العقل يدل على إثبات المقاصد للشريعة من وجوه :
الوجه الأول : إن الله تعالى كرم بني آدم ، وبين فضلهم على سائر المخلوقات الأخرى بقوله : ( ولقد كرمنا بني آدم ) ومن لوازم التكريم أن يتحقق للإنسان مصالحه على أحسن الوجوه وإلا فلا يكون مكرما.
الوجه الثاني : إن الله سبحانه راعى مصالح العباد في مبدئهم ومعاشهم ،فقد أوجدهم من العدم، وسخر لهم النعم، وأمتن عليهم بذلك ، فمن المحال عقلاً أن يراعي الله عز وجل مصلحة خلقه في هذه الأمور ثم يهمل مصلحتهم في الأحكام الشرعية التي تعد أولى بالمراعاة، لأنها من مصلحة معاشهم، إذ بها صيانة أمورهم الضرورية ،من الدماء، والأموال ،والأعراض، ولا معاش بدونها ،فوجب القول بأنه راعاها لهم.
الوجه الثالث : أن تعطيل الحكمة والغاية المطلوبة من الأحكام إما أن يكون لعدم علم الفاعل بها، وهذا محال في حق من هو بكل شيء عليم ، وإما لعجزه عن تحصيلها، وهذا ممتنع في حق من هو على كل شيء قدير ، وإما لعدم إرادته ومشيئته الإحسان إلى غيره وإيصال النفع إليهم، وهذا مستحيل في حق أرحم الراحمين ومن إحسانه من لوازم ذاته فلا يكون سبحانه إلا محسناً منعمً مناناً ، وإما لمانع يمنع من إرادتها وقصدها، وهذا مستحيل في حق من لا يمنعه مانع من فعل ما يريد، بل هو فعال لما يريد، وإما لاستلزامها نقصاً ومنافاتها كمالاً، وهذا باطل، بل هو قلب للحقائق ،وعكس للفطر، ومناقض لقضايا العقول، فإن من يفعل لحكمة وغاية مطلوبة يحمد عليها أكمل ممن يفعل لا لشيء البتة ،كما أن من يخلق أكمل ممن لا يخلق، ومن يعلم أكمل ممن لا يعلم ،ومن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يقدر ويريد أكمل ممن لا يتصف بذلك ،وهذا مركوز في الفطر، مستقر في العقول، فنفي حكمته سبحانه وأن يكون له مقصد في الأحكام بمنزلة نفي هذه الأوصاف عنه ،وهذا يستلزم وصفه بأضدادها، وهي أنقص النقائص تعالى الله عن ذلك .

طرق معرفة المقاصد :
بعد أن تبين لنا على سبيل اليقين ثبوت المقاصد للشريعة الإسلامية .
بقي أن نعرف أهم الطرق التي تعرف بها هذه المقاصد .

أهم الطرق :
الطريق الأول : الاستقراء ويراد به :ـ تتبع الأدلة الجزئية لاستخراج الحكم الكلي الذي يشملها جميعاً يقول الشاطبي : وبيان ذلك أن تلقي العلم بالكلي إنما هو من عرض الجزئيات واستقرائها، فالكلي من حيث هو كلي غير معلوم لنا قبل العلم بالجزئيات .
الطريق الثاني : النص، والمراد به :ـ الدليل من الكتاب أوالسنة المتواترة المثبت لمقصد من مقاصد الشريعة،كقوله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج) ، ( يريد الله ليخفف عنكم ) ، ( إن الله يأمر بالعدل) ، وقوله عليه السلام : ( لا ضرر ولا ضرار ) ، ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) .
الطريق الثالث : الإجماع :ـ والمراد به:اتفاق مجتهدي الأمة على أن هذا الشيء مقصد من مقاصد الشريعة.
الطريق الرابع : معرفة علل الأمر والنهي بمسلك من مسالك المعتبرة في باب القياس:ـ
وهي:( النص ـ الإيماء ـ الإجماع ـ المناسبة ـ وغيرها من المسالك) .
الطريق الخامس : التعبيرات الشرعية الموحية بالمقصد:ـ كالتعبير بالإرادة الشرعية أو الخير أو النفع أو نحو ذلك ، قال تعالى ( وأن تصوموا خير لكم ) ، ( يريد الله بكم اليسر).
وسيأتي تفصيل الكلام على طرق معرفة المقاصد في حلقة نقاش مستقلة بإذن الله
أقسام المقاصد بالاعتبارات المختلفة :
تنقسم المقاصد إلى أقسام متعددة باعتبارات مختلفة أهمها ما يأتي :
1. أقسام المقاصد باعتبار رتبها، أوباعتبار نوع المصالح التي جاءت برعايتها :
وهي تنقسم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
‌أ) الضروريات : وهي حفظ الدين ،والنفس، والعقل، والمال، والنسل ،أو (النسب) ويزيد بعضهم حفظ العرض ، وتسمى بالضروريات الخمس ، والضروري : هو الذي يترتب على فواته فساد الأمر المطلوب المحافظة عليه ، وهذه الضروريات اتفقت عليها جميع الديانات السماوية وأصحاب العقول السليمة ، كما نص على ذلك عدد من العلماء كالعز بن عبد السلام والآمدي والغزالي .
‌ب) الحاجيات : و هي التي إذا لم تتحقق فإنه يلحق بالإنسان مشقة كبيرة لا تصل به إلى درجة الهلاك، فإن وصلت به لدرجة الهلاك فإنه يكون أمراً ضروريًا، وأما مجردالمشقة والعناء فإنه يكون أمراً حاجياً، وذلك مثل : رفع الحرج والتخفيف عند حصول المشقة بالسفر أو المرض، وإباحة بعض المعاملات التي يحتاجها الناس كالإجارة ،والسلم، والمضاربة، والمساقاة، ونحو ذلك.
‌ج) التحسينيات : وهي مالا يرجع إلى ضرورة أو حاجة عامة مثل : مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات ، ومثله : كل ما يتعلق بالطهارة في البدن والثياب والمكان، وآداب الأكل والشرب ،وأخذ الزينة وغير ذلك.
2. أقسام المقاصد باعتبار مرتبتها بالقصد :
وهي تنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين :
‌أ) المقاصد الأصلية : وهي المقاصد التي اعتبرها الشارع على وجه الأصالة والابتداء كالضروريات الخمس ونحوها.
‌ب) المقاصد التبعية : وهي التي لم تقصد أصالة وإنما لكونها تبعاً لمقاصد أصلية ،سواء كانت سابقة للمقصد الأصلي كالطهارة للصلاة ،أو مترتبة عليه كالنهي عن الفحشاء والمنكر .
3. أقسام المقاصد باعتبار الشمول :
وهي تنقسم بهذا الاعتبار إلى قسمين :
‌أ) المقاصد العامة : وهي التي تدخل في كافة الأبواب كرفع الحرج، والعدل ،وإزالة الضرر ونحو ذلك .
‌ب) المقاصد الخاصة : وهي التي تتعلق بباب معين، فهناك مقاصد خاصة للعبادات، وأخرى للمعاملات، والجنايات، وهكذا.
وسيأتي تفصيل هذه التقسيمات وغيرها في حلقة نقاش مستقلة.
نشأة المقاصد وتطورها :
(فائدة) لمْ نقل نشأة علم المقاصد على اعتبار أن هناك جدلاً قديماً ولا يزال في المقاصد ، هل هي علم مستقل بذاته؟ أو أنها جزء من علم أصول الفقه ، وهناك رؤيتان في الموضوع، فمن العلماء من يرى أنها علم مستقل بذاته وأن أول من جعلها علما مستقلا هو الشاطبي، وينتصر لهذا الرأي كثير من الباحثين المعاصرين الذين تصدوا للكتابه في المقاصد، خصوصاً أهل المغرب العربي الذين حاولوا من خلال مؤلفاتهم أن يثبتوا أن علم المقاصد علم قائم بذاته.
في حين يرى أكثر الأصوليين من المتقدمين والمتأخرين أن المقاصد وإن كانت في غاية الأهمية إلا أنها ليست علما مستقلا عن أصول الفقه وإنما هي جزء منه بدليل : أن فطاحلة الأصول من المتقدمين لم يفصلوها عن أصول الفقه بل إن الشاطبي - وهو إمام المقاصد وأكثر من اهتم بها من المتقدمين – تناولها في السياق الأصولي، وغاية ما فعله أنه جعلها في باب مستقل، أو في كتاب مستقل ضمن كتابه الموافقات،وسماه كتاب المقاصد، من أجل أن يلفت الأنظار إليها).
نشأة المقاصد، وتطور الكتابة فيها:
سبق القول عند الكلام على إثبات المقاصد للشريعة أن القرآن أشار إلى بعض المقاصد العامة كرفع الحرج والعدل وغيرها ،كما أشار إلى بعض المقاصد الخاصة بالعبادات والمعاملات كالقصاص وغيرها ، والمتأمل في السنة النبوية يجد أنها اشتملت كذلك على بيان بعض المقاصد العامة والخاصة ، فمن الإشارات النبوية إلى المقاصد العامة: قوله عليه السلام ( لا ضرر ولا ضرار ) ، ( إن الدين يسر ) ومن الإشارات إلى المقاصد الخاصة : قوله عليه السلام ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ) ، ( إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ) ويمكن للناظر في أقوال الصحابة إن يظفر- كذلك- بشيء منها، كقول ابن عباس- في تعليل رخصة الجمع بين الصلاتين في السفر- : (أراد ألا يحرج أحداً من أمته) ، وكان من منهج الصحابة الالتفات إلى العلل والمعاني الجامعة، والنظر في الحكم والمصالح ، ولهذا قام أبو بكر بجمع القرآن، واختار عمر عدم التسوية بين الناس في العطاء ، في حين أن أبابكر كان يسوي بينهم ، وهذا من باب الالتفات إلى السياسة ورعاية مصلحة الخلق، كما ذكر ذلك الغزالي ، ويدخل في هذا الباب حكمه بقتل الجماعة بالواحد ، ونفي نصر بن حجاج خشية افتتان النساء بجماله، ونحو ذلك .
وفي عصر التابعين وتابعيهم ظهر الاهتمام بالمقاصد بشكل أكبر من عصر الصحابة تبعاً لبروز دليل القياس وكثرة الاعتماد عليه مع اتساع رقعة العالم الإسلامي وكثرة الحوادث وقلة النصوص ، خصوصاً عند مدرسة أهل الرأي الذين يكثرون من الاعتماد على هذا الدليل ، وربما توسع بعضهم في التعليل فجعل المعنى الجامع بين الفرع والأصل هو الحكمة أو المقصد، وقد تقدم بيان الصلة بين المقاصد وتعليل الأحكام.
وفي المقابل لم يغفل أصحاب المدرسة الأخرى عن النظر في المقاصد ، فالإمام مالك - وهو الذي تنسب إليه مدرسة أهل الحديث أو الأثر- يكثر من الاعتماد على المصالح ، لدرجة أن الجويني الشافعي اتهمه بالإفراط بالأخذ بها، وعدّه أكثر الأئمة الأربعة اعتماداً عليها ، يقول الجويني : ( وأفرط الإمام إمام دار الهجرة مالك بن أنس في القول بالاستدلال فرؤي يثبت مصالح بعيدة عن المصالح المألوفة والمعاني المعروفة في الشريعة، وجرّه ذلك إلى استحداث القتل وأخذ المال بمصالح تقتضيها في أغلب الظن وإن لم يجد في تلك المصالح مستنداً إلى أصول ).. انتهى .
وهذا الكلام وإن كانت تفوح منه رائحة التعصب لمذهب الشافعي إلى أن حقيقة اعتبار المالكية للمصالح من المسلمات المعروفة، ولعل هذا يفسر اهتمامهم بهذا العلم بدأ من القرافي، ثم الشاطبي ،ووصولاً إلى ابن عاشور، وعلال الفاسي، وعلماء المغرب بعامة.
وعلى أي حال فإن هذا العلم لم يظهر كعلم مستقل في عصر الصحابة ولا في عصر التابعين وتابعيهم ، وإنما بدأت بوادر الإشارة إلى بعض مسائله مع ظهور التأليف في علم أصول الفقه على يد الإمام الشافعي ، حيث يمكن للناظر في كتبه المختلفة- كالرسالة والأم وأحكام القرآن واختلاف الحديث وإبطال الاستحسان - أن يلتقط بعض مسائل المقاصد من خلال كلامه في تعليل الأحكام، وتقسيمها إلى ما يعقل ومالا يعقل، وإشارته إلى وجوب مراعاة القواعد الكلية الشرعية ومصالحها في باب الاجتهاد واستنباط الأحكام ، إضافة إلى ذكره لبعض المقاصد العامة كحفظ النفس والمال والنسب، والمقاصد الخاصة بالطهارة والصوم والحج والقصاص وغيرها، بحسب ما ذكره الجويني
وبعد الشافعي كان لبعض علماء الأصول- وخصوصاً من الشافعية- اهتمام ظاهر بموضوع المقاصد في ثنايا مؤلفاتهم في أصول الفقه، وخصوصاً في أبواب الاستدلال، والمصلحة، والقياس.
ومن أبرز هؤلاء :
1) الجويني :
المتوفي سنة 478هـ، ويعد من أوائل العلماء الذين اظهروا العناية بالمقاصد بشكل صريح في كتبه المختلفة حيث إنه كثيراً ما يعبر بمصطلح المقصد ، والغرض، والكليات ،وهو من أوائل العلماء الذين قسموها إلى الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وأكثر كلامه عن المقاصد في باب تعليل الأحكام، وما يقاس عليه وما لا يقاس ، إضافة إلى إشارته إلى المقاصد الضرورية الخمسة، ووسائل رعايتها والمحافظة عليها، وإشارته إلى بعض المقاصد الخاصة بالعقوبات والعبادات والمعاملات، وبعض قواعد المقاصد، كقاعدة ترك القياس الجلي إذا صادم القاعدة الكلية المستندة إلى ضروري.
2) الغزالي :
أبو حامد الغزالي ، المتوفي سنة 505هـ ، وهو من تلاميذ الجويني ومن أشهر الأصوليين الذي أظهروا اهتماماً بهذا العلم خصوصاً في كتابيه المستصفى وشفاء العليل، حيث نص على أن المصلحة هي المحافظة على مقصود الشرع، ثم قسم المصلحة باعتبار قوتها في ذاتها إلى الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وأشار إلى مكملات كل قسم، ونص على الضروريات الخمس وكيفية رعايتها ،وأشار إلى الطرق التي تعرف بها المقاصد، وهي الكتاب والسنة والإجماع والاستقراء، كما نبه على بعض قواعد المقاصد ،كقاعدة مخالفة مقصود الشرع حرام، وقاعدة كل ما يتضمن حفظ الأصول الخمسة فهو مصلحة وكل ما يفوت هذه الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة.
3) الرازي :
المتوفي سنة 606هـ ، وهو كذلك ممن أشار إلى أهمية المقاصد من خلال بحثه في المصالح والقياس ويحسب له إدخالها في باب الترجيح بين الأقيسة.
4) الآمدي :
المتوفي سنة 631هـ ، وهو كذلك ممن اعتنى بالمقاصد في هذه الأبواب وزاد على ذلك الإشارة إلى ترتيب المقاصد، والترجيح بينها.
5) العز بن عبد السلام :
المتوفي سنة 670هـ ، وهو أحد تلاميذ الآمدي، ومن أبرز من اعتنى بهذا العلم قبل الشاطبي ، ولذلك أفرده بعض الباحثين المعاصرين بدراسة مستقلة، ويعود هذا إلى اهتمامه بالمصالح حيث صنف فيها كتاباً مهماً وهو قواعد الأحكام في مصالح الأنام ، وبما أن العلاقة بين المقاصد والمصالح وثيقة فقد تناول العديد من مسائل هذا العلم، كالمقصد العام من التشريع وهو ( جلب المصالح ودفع المفاسد ) وأقسام المقاصد، والضروريات الخمس، ووسائل رعايتها، وكيفية الترجيح بينها،والمقاصد الخاصة والجزئية ،كمقاصد الإيمان والصلاة والجهاد والحج ومقاصد المندوبات والمباحات وغيرها ، كما أشار إلى بعض قواعد المقاصد، وقد اختصر هذا الكتاب في كتاب آخر سماه :( الفوائد في اختصار المقاصد ).
6) القرافي :
المتوفي سنة 684هـ ، وهو أحد علماء المالكية البارزين في الفقه والأصول وقد أظهر اهتماماً بالمقاصد في كتابه ( شرح تنقيح الفصول ) وكتابه ( نفائس الفصول ) عند حديثه عن المصالح وعن القياس، كما بين بعض قواعد المقاصد في كتابه ( الفروق ) .

7) شيخ الإسلام ابن تيمية :
المتوفي سنة 728هـ ، وهو من أبزر العلماء الذين نبهوا على مقاصد التشريع، ويعود هذا إلى منهجه في الاجتهاد القائم على العناية بإقامة البراهين على المسائل الكلامية والفقهية من الأدلة الجزئية الخاصة مع التنبيه على الكليات والحِكم والمعاني العامة في الشريعة الإسلامية، ولعل هذا المنهج هو سر تميز شيخ الإسلام وبلوغه هذه المنزلة الرفيعة في علوم الإسلام كافة، ولتميز شيخ الإسلام في هذا العلم أفرده بعض الباحثينالمعاصرين بدراسة خاصة سماها مقاصد الشريعة عند ابن تيمية بين فيها جهود شيخ الإسلام وإسهاماته في المقاصد.
ومن أبرز ما أضافه شيخ الإسلام في هذا الفن ما يلي :ـ
1. إشارته إلى أن هذا العلم من العلوم الدقيقة بل سماه خاصة الفقه بالدين.
2. أنه أشار إلى أن المقاصد ليست خاصة بالأحكام الدنيوية المتعلقة بحفظ الضروريات الخمس فقط ، بل تشمل كذلك الأسرار والحكم التي تضمنتها العبادات الظاهرة والباطنة من الإيمان والمحبة والإخلاص والتوكل ونحو ذلك.
3. أنه أضاف بعض المقاصد الأخرى إلى المقاصد الضرورية، كمقصد العدل ، حيث يقول:(الشريعة مبناها على العدل) ومن الأمور التي أضافها :الائتلاف وعدم الاختلاف ، ومخالفة المشركين، ومخالفة الشياطين والهوى، و الجهاد، والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على محاسن العادات، ومكارم الأخلاق .
4. اهتمامه بالأصول ذات الصلة الوثيقة بالمقاصد كالمصالح والحكم وتعليل الأحكام وسد الذرائع والحيل.
8) الطوفي :
نجم الدين الطوفي المتوفي سنة 716هـ، وهو كذلك من أشهر العلماء الذين لهم باع واسع في علم المقاصد خصوصاً وأن له رأياً مثيراً للجدل في المصالح ،فهو يرى تقديم المصلحة على النص والإجماع في كل ما من شأنه التعليل، كالمعاملات ،ونحوها، وقد أفصح عن هذا الرأي عند شرحه لحديث ( لا ضرر ولا ضرار ) في كتابه التعيين في شرح الأربعين ، كما أظهر الاهتمام بالمقاصد في كتابه ( شرح روضة الناظر ) عند الكلام عن المصالح، وعند الكلام عن المناسب في باب القياس .
9) ابن القيم :
المتوفي سنة 751هـ، وهو شيخُ شيخ الشاطبي (المقري) وأشهر تلاميذ ابن تيمية، ويظهر اهتمامه بالمقاصد في عدة جوانب منها :
1. اهتمامه بالتعليل، وبيان نماذج من الآيات والأحاديث التي تضمنت بيان علة الحكم في كتابه شفاء العليل، وأعلام الموقعين .
2. اهتمامه بالمصالح ومراعاة الموازنة بينها وبين المفاسد.
3. تحريره لقاعدة تغير الفتوى بتغير الأزمنة والأمكنة .
4. عنايته بإبراز أسرار الشريعة وحكمها خصوصاً في كتابه مفتاح دار السعادة .
5. عنايته ببعض القضايا ذات الصلة بالمقاصد كمبدأ سد الذرائع والحيل وغيرها.
10) المقري :
المتوفي سنة 758هـ ، وهو من علماء المالكية المبرزين، وأحد شيوخ الشاطبي ،وربما كان حلقة الوصل بينه وبين ابن القيم وشيخ الإسلام وأحد العلماء الذين لهم إسهام واضح في علم القواعد الفقهية ،وقد كان له مساهمة ظاهرة في تكوين شخصية الشاطبي المقاصدية من خلال جوانب عدة أهمها ما يلي:
1. عنايته بذكر القواعد المتعلقة بالمقاصد في كتابه القواعد، ومنها: قاعدة مراعاة المقاصد مقدمة على مراعاة الوسائل، وقاعدة سقوط اعتبار المقاصد يسقط اعتبار الوسائل، وقاعدة الأصل في الأحكام المعقولية، والأصل في العبادات ملازمة أعيانها، وقاعدة تغليب المصلحة الغالبة على المفسدة النادرة، وغيرها من القواعد.
2. اهتمامه ببعض الأصول ذات الصلة بالمقاصد، كالمصالح وسد الذرائع والتعليل من خلال القواعد المتعلقة بهذه الأصول .
11) الشاطبي :
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى المتوفي سنة 790هـ ، وهو بحق رائد هذا العلم، وأول من أبرزه وأفرده بأبواب مستقلة في كتابه ( الموافقات )، ولمكانته العالية في هذا العلم أفرده عدد من الباحثين بدراسات مستقلة تناولت شخصيته ودوره في بروز هذا العلم، ومن أشهر من كتب عن دوره في المقاصد د. أحمد الريسوني، حيث صنف كتاباً سماه ( نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي ) و د. حماد العبيدي في كتابه ( الشاطبي ومقاصد الشريعة ) وغيرهم ، وقد تناولت هذه الدراسات منهج الشاطبي في المقاصد، وجوانب التجديد عنده في هذا الفن، ويمكن تلخيص دور الإمام الشاطبي في الآتي :
1. تقسيم المقاصد وترتيبها حيث تقدم في المحاضرة الأولى أنه جعل المقاصد على قسمين :
أ‌) قصد الشارع ب) قصد المكلف
ب‌) ثم قسم قصد الشارع إلى أربعة أقسام :
1. قصده في وضع الشريعة ابتداءً .
2. قصده في وضعها للإفهام .
3. قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها .
4. قصده في دخول المكلف تحت حكمها.
2. تحرير الكلام في أهم مسائل هذا العلم ،كطرق معرفة المقاصد ،وخصائصها ،والأدلة على إثباتها للشريعة، وأقسامها بالاعتبارات المختلفة ،إضافة إلى تفصيل الكلام في الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وكيفية المحافظة عليها من جانبي الوجود والعدم، وأهم الأسس والمبادئ التي جاءت بها الشريعة للمحافظة عليها، إضافة إلى التفريع وضرب الأمثلة والشواهد على أقسام المقاصد المختلفة .
3.ربط المقاصد بأصول الفقه والقواعد الفقهية ذات الصلة .
وبالجملة فالشاطبي يعد بحقٍ رائد هذا العلم وصاحب الفضل في ظهوره، وإن لم يكن واضع لبناته الأولى لوجود أكثر هذه اللبنات في كتب من سبقه من الأئمة الذين تقدمت الإشارة عنهم.
المقاصد بعد الشاطبي
تناول علماء الأصول بعد الشاطبي بعض المسائل المتعلقة بالمقاصد كما تناولها المتقدمون قبله في ثنايا كتب الأصول، وخصوصاً في الأبواب ذات الصلة ،كالمصلحة ،والقياس، وتعليل الأحكام ،ولم تظهر كتب مستقلة في هذا الفن بعد الشاطبي إلا في أواخر القرن الماضي ، حيث ظهر الاهتمام بالمقاصد في بلاد المغرب العربي، وتصدى عدد من علماء تلك البلاد للتصنيف فيه ومن أبرزهم: الطاهر بن عاشور ، وقد تقدمت الإشارة إلى كتابه في هذا الفن، ومن أبرز إضافاته لهذا العلم : محاولة ضبط المقاصد بحد يفصلها عما سواها ، وتقسيم المقاصد إلى المقاصد العامة والخاصة، وتفصيل القول فيها، وإضافة بعض المقاصد العامة كالمساواة ،والحرية، وغيرها، وممن صنف في هذا العلم كذلك علال الفاسي ، حيث صنف كتابه مقاصد الشريعة ومكارمها، والكتاب وإن بدا من عنوانه أنه من الكتب المتخصصة في هذا الفن إلا أنه ليس ككتاب ابن عاشور المتمحض في المقاصد، بل إن الكاتب خرج عن هذا الفن إلى مسائل كثيرة لا علاقة لها بالمقاصد وإن كان يحسب له محاولته تعريف هذا العلم، والإشارة إلى المقاصد العامة .
وبعد هذين العالمين خرجت مجموعة من الكتب والدراسات المتخصصة بهذا العلم سبق ذكرها في المحاضرة الأولى.





أهمية مقاصد الشريعة:
مقاصد الشريعة من العلوم المهمة التي لايستغني عنها كل مسلم، لكن كلٌ بحسبه، وسنجعل الكلام في أهميتها على النحو التالي :
1/ أهمية المقاصد للمجتهد.
2/ أهمية المقاصد للعامي.
3/ أهمية المقاصد للمتخصص في الفكرالإسلامي أو في الثقافة الإسلامية.
أولاً: أهمية المقاصد للمجتهد:
يعد العلم بمقاصد الشريعة أحد شروط الاجتهاد، وقد صرح باشتراطه جمع من علماء الأصوال كالعز ابن عبدالسلام وابن السكبي والشاطبي، وغيرهم..
يقول الشاطبي: (إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين:
1) فهم مقاصد الشريعة على كمالها..
2) التمكن من الاستنباط بناء على فهمه منها).
ومن لم يصرح باشتراط هذا الشرط من علماء الأصوال فلأنه متحقق حتماً فيمن توفرت فيه الشروط المفصلة التي ذكروها، ولعل مما يؤكد هذا أنهم يكادون يتفقون على اشتراط ملكة النظر والتمكن من الاستنباط، والتي يعبر عنها بعضهم بالقريحة، ولاشك أن هذه الملكة هي التي تمكن المجتهد من المقارنة، والتحليل، والاستنتاج، وإدراك العلاقة بين الأدلة الجزئية، والتوصل إلى المعاني الكلية من خلالها..
وتظهر حاجة المجتهد إلى مقاصد الشريعة في جوانب مهمة هي:
1. فهم النصوص وتفسيرها ومعرفة دلالاتها..
2. الترجيح بين الأدلة المتعارضة والتوفيق بينها..
3. معرفة أحكام الوقائع التي لم يرد بشأنها نص خاص..
4. التمكن من تحقيق المناط وتنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع بحسب الظروف الزمانية والمكانية، والأحوال..
5. تحقيق التوازن والاعتدال وعدم الاضطراب في الاجتهاد..
وممن أشار إلى أهمية العلم بالمقاصد في الاجتهاد: الشافعي والجويني والغزالي وشيخ الإسلام ابن تيمية..
يقول الجويني: ومن لم يتفطن لوقوع المقاصد في الأوامر والنواهي فليس على بصيرة في وضع الشريعة..
ويقول الغزالي: مقاصد الشرع قبلة المجتهدين من توجه جهة منها أصاب الحق..
ويقول ابن تيمية: لابد أن يكون مع الإنسان أصول كلية ترد إليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت،وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات وجهل وظلم في الكليات ،فيتولد فساد عظيم.
ويقول رحمه الله: (من فهم حكمة الشارع كان هو الفقيه حقاً).
لكن ينبغي التنبيه على أمر مهم هنا وهو:أن الإشارة إلى أهمية المقاصد في الاجتهاد لا تعني الاستغناء بها في هذا الباب وإهمال الأدلة الجزئية،فإن هذا النهج يعد تمييعاً للشريعة الإسلامية وتقديماً للرأي على الوحي، فالأصل في الدين هو الأدلة الجزئية الخاصة، وهي التي كشفت لنا عن هذه المقاصد العظيمة، فلا يجوز بعد ذلك أن تعود عليها المقاصد بالإبطال،ولهذا فإن الاجتهاد المقاصدي ينبغي أن يقوم على الموازنة الدقيقة بين الكليات والأدلة الجزئية، فيكونان بالنسبة للمجتهد بمثابة جناحي الطائر،فهذا هو المنهج السليم الذي سار عليه الأئمة المجتهدون، والمتمكن منه هو العالم الذي يستحق الوصف بالرباني، والحكيم، والراسخ في العلم، كما يقول الشاطبي..
قال الإمام الشافعي- مبيناً المنهج الذي ينبغي أن يسير عليه المجتهد- : إذا وقعت الواقعة فأحوج المجتهد إلى طلب الحكم فيها فينظر أولاً في نصوص الكتاب فإن وجد مسلكاً دالاً على الحكم فهو المراد،وإن أعوزه انحدر إلى نصوص الأخبار المتواترة، فإن وجده وإلا انحط إلى نصوص أخبار الآحاد،( إلىأن قال رحمه الله): فإن عدم المطلوب في هذه الدرجات لم يخض في القياس بعد ولكن ينظر في الكليات ومصالحها العامة..
ويقول الشاطبي : فالحاصل أنه لا بد من اعتبار خصوص الجزئيات مع اعتبار كلياتها وبالعكس، وهو منتهى نظر المجتهدين بإطلاق، وإليه ينتهي طلقهم في مرامي الاجتهاد..
ويقول شيخ الإسلام: ومن علم الكليات من غير معرفة المعين فمعه الميزان فقط، والمقصود بها وزن الأمور الموجودة في الخارج ،وإلا فالكليات لولا جزئياتها المعينات لم يكن بها اعتبار، كما أنه لولا الموزونات لم يكن إلى الميزان من حاجة..
ثانياً: أهمية المقاصد للعامي:
يرى بعض العلماء الذين تصدوا للكتابة في المقاصد كابن عاشور أن المقاصد ليست من شأن العوام،فيقول: فحق العامي أن يتلقى الشريعة بدون معرفة المقصد لأنه لا يحسن ضبطه ولا تنزيله.
وهذا الكلام إن كان المقصود به أنهم لا يجوز لهم الخوض في المقاصد وأخذ الأحكام الشرعية من خلالها كالمجتهدين فهو في غاية الصواب، لأن علم المقاصد من العلوم الدقيقة ، والاجتهاد من خلاله مركب عسير وطريق وعرة حتى على المجتهدين أنفسهم، وإن كان مراد ابن عاشور بكلامه هذا أنه لا يحسن إطلاع العوام على المقاصد وتعرفيهم بها من قبل المجتهدين فهو غير صحيح فإن في تعريفهم بها فوائد كثيرة منها:
1/ حصول الطمأنينة والقناعة بصحة الحكم الجزئي الذي سأل عنه وبأحكام الشريعة والدين على وجه العموم، وهذا الأمر يبعث على زيادة إيمانه، ورسوخ يقينه..
2/ تحصين المسلم ضد المبادئ الضالة والأفكار المنحرفة خصوصاً في هذا العصر الذي يشهد اختلاط الثقافات وترويج الشعارات البراقة، كحقوق الإنسان ،وحقوق المرأة، ونحو ذلك من الدعايات التي تقع على مسامع العامي ليلاً ونهاراً..
3/ تنبيه المسلم إلى أهمية موافقة قصد الشارع، وأن تكون مقاصده تابعه لمقاصد الشارع ليتجنب التحايل عليها أو التهرب منها سواء في العبادات أو المعاملات أو النكاح أو الطلاق أو غير ذلك..
ثالثاً:أهمية المقاصد للمتخصص في الثقافة الإسلامية:
تبرز أهمية علم المقاصد للمتخصص في الفكر الإسلامي ومدى الحاجة إليه في هذا المجال من خلال ما يأتي:
1) ربط قضايا الفكر الإسلامي بمقاصد الشريعة ،بحيث يكون طرح المثقف المسلم قائماً على التأصيل ومعتمداً على القواعد العامة للتشريع ،وهو مايعطي الطرح مصداقية ظاهرة، ويجعله أدعى للقبول والاقتناع من قبل المتلقين ،خصوصاً وأن المقاصد كما تقدم تدور حول جلب المصلحة ودفع المفسدة ،والناس بطبيعتهم يميلون إلى ما يحقق هذه الغايات لهم..
2) ترتيب الأوليات من القضايا، وبالبدء بالأهم قبل المهم ،فالمفكر المسلم الملم بالمقاصد يدرك أهمية تقديم الضروريات على الحاجيات، والحاجيات على التحسينيات، كما يدرك أهمية مراعاة أحوال الناس وظروفهم المكانية والزمانية..
3) القدرة على استيعاب النوازل الفكرية والقضايا الثقافية المستجدة، فأن أبرز سمات المقاصد وخصائصها(العموم والاطراد)فهي من الشمول بحيث يمكن أن تستوعب كافة القضايا والنوازل، وهي في الوقت ذاته مطردة تكفل تحقيق مصالح الخلق في كل زمان ومكان دون اختلال أو تغيير فيها..
4) العلم الصحيح بالمقاصد يمكن المثقف المسلم من التصدي للتيارات الحديثة ودعاوى التجديد الجانحة التي تحاول توظيف النظر في المقاصد كغطاء لتحكيم الرأي والهوى، والتملص من الأدلة الجزئية الخاصة.

العلاقة بين المقاصد وأصول الفقه:
أصول الفقه كما لايخفى هو العلم الذي يبحث في أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد..
ومقاصد الشريعة ولاشك ولدت من رحم هذا العلم، فالأصوليين قبل الشاطبي وبعده ما فتئوا يشيرون إليها ويتناولها بالبحث - وإن باختصار- في ثنايا المسائل الأصولية ذات الصلة الوثيقة بالمقاصد، كالمصالح ،والقياس، وتعليل الأحكام، والاجتهاد، وغير ذلك،وقد تقدم بيان ذلك عند الكلام في تاريخ المقاصد..
لكن الشاطبي وهو رائد علم المقاصد سلك منهجاً فريداً في تقسيمه لها يجعلها أكثر ارتباطاً بهذا العلم، حيث تقدم بيان منهجه فيها وأنه قسمها إلى : قصد الشارع -و قصد المكلف..
ثم قسم قصد الشارع إلى أربعة أقسام:
1/ قصده من وضع البشرية ابتداء وأنه وضعها لمصالح العباد في الدارين..
2/ قصده في وضعها للإفهام، وقد تناول تحت هذا القصد كون الشريعة ورادة باللغة العربية ،والمباحث اللغوية المتعلقة بذلك..
3/ قصده في وضعها للتكليف بمقتضاها، وقد تناول تحت هذا الموضوع اشتراط القدرة في التكليف ،وما يتصل بذلك..
4/ قصده في دخول المكلف تحت حكمها، وهو أن يتخلص العبد من داعية هواه ،فيكون عبداً لله باختياره كما هو عبداً لله اضطراراً..
وقد تناول الشاطبي تحت هذا المقصد جملة من المسائل الكلامية، كشكر المنعم، والكرامات، وغيرها، كما تناول تحته جملة من المسائل الأصولية ،كالاحتجاج بالأعراف، وقاعدة الأصل في العبادات التوقيف، والأصل في المعاملات التعليل، وغير ذلك..
وبغض النظر عن منهج الشاطبي هذا وسواء وافقناه أم خالفناه فإن لعلم المقاصد صلة وثيقة بقضايا مهمة تعد من صميم أصول الفقه.

مقرر الثقافة الإسلامية لمنهجية الماجستير

مقرر الثقافة الإسلامية لمنهجية الماجستير
د. عبدالرحمن بن زيد الزنيدي
مقرر الثقافة الإسلامية لمنهجية الماجستير
في التخصُّصات العِلْمية المُختلفة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه؛ وبعد:
(المُثَقَّف): مُصطلح شاعَ استعمالُه في هذا العَصْرِ، في عالمنا العربي والإسلامي لقبًا على شخص يتميز على مَنْ حوله من عُموم الناس بصَنْعَتِهِ الفِكْريةِ، وتفاعُلِهِ الحَيوِيِّ مع قضايا مجتمَعِهِ، وأُمَّتِهِ الواقعية مِنْ خلال السَّعْي لتصوُّرها تصوُّرًا صحيحًا مُتماسِكًا، والإسهام في حلَّ مشكلات هذا الواقع، والتَّرقِّي به في مسالِكِ النُّهوض الحَضَارِيِّ في مختلف مجالات الحياة، على أن لهذا (المُثَقَّف) تخصُّصَه العِلْميَّ الذي يكون فيه "عالِمًا" شرعيًّا، أو لُغَويًّا، أوِ اجتماعيًّا، أو حتى تَقَنِيًّا.
وتبقى الصفتان (مثقَّف، وعالِم)، أو المجالان مُنفصِلَيْنِ، فَهَذِهِ حركةٌ ثقافية واقعيَّة شُموليَّة، وتِلكَ مَعَارِفُ نظرية تخصُّصية، حتى وإنِ ارْتَكز جُهدُهُ الثقافيُّ على المُستوى الفكريِّ الذي وصل إليه عبر تخصُّصِه العِلمي.
بل إن غالب التَّخصُّصات الأكاديمية تقوم بدَورٍ اسْتِلابي لطالب العلم فيها، بحيث يغرق في تخصُّصه، وقد يُبدع فيه في رسائل الماجستير والدُّكتوراه، وبحوثِهِ الأخرى؛ ولكنه يبقى محصورًا في هذا التَّخصُّص مما يجعل أثره محدودًا بطلابه، وزملاء قسمه، ونحوِهم ممن يلتقون معه في التخصص المحدود عددُ أفرادِه مهما كثروا.
ولكن بما أنه يعيش في مجتمع يعرف مُسْتواه وشهرته العلمية، فإن أفراد هذا المجتمع يشعرون بحقِّهم عليه في أن يُسْهِمَ في خدمة قضاياهم، وحلِّ مشكلاتهم، خارجَ إطار تفصيلات تخصُّصه التي لا تَعنِيهِم، ولا يفهمُونها.
هنا يحدث الارتِباك لدى هذا المُتخصِّص مهما بلغ شَأْوُه العِلْمي، وذلك بسبب انحصاره في دائرة التخصص الضَّيِّقَة عن الفضاء الثقافيِّ العامِّ، حيث تختلف الثقافة عن سائِر الفنون العلمية - خاصة النظريةَ منها - في خاصيتينِ لها:
- الشمولية التي تَتَرابط فيها جوانب الحياة الاجتماعية، بحيث تُعالِجُ أيَّ قضية من قضاياها عبر الخيوط الرابطة لها بتلك القضايا، ومَبْنَى هذا أنَّ الثقافة بما هي تصوُّرات وُجوديَّة، وقِيَم إنسانية ونُظُمٌ تشريعيةٌ، لا تكون "ثقافة" إلا إذا تَبَلْوَرَتْ، سواء في حياة الشخص أو الجماعة في صورة كُليّة شمولية مُترابِطة، بحيث تبدو بشكل بَنَّاءٍ مُتكامِل مُترابِط، يرتكز منهجه القِيَمِيُّ على أساسه الإيماني، وتصوُّراته الوُجودية، وتقوم نُظُمُه التشريعية على قِيَمِهِ الخُلُقِيَّةِ والجمالية، ومِنْ ثَمَّ على أساسه الإيماني، وهذا ما تُؤكِّدُه تعريفات الثقافة الكثيرة:
كَقَوْلِ "تايلر" في تعريفه المشهور عن الثقافة: "ذلك الكلُّ المُركَّب.."، وكتعريف كتاب "الثقافة الإسلاميَّة تَخَصُّصًا ومادَّة وقِسْمًا علميًّا" للثقافة الإسلامية بأنَّها: "العلم بمنهاج الإسلام الشمولي.."، أمَّا التخصُّص العِلْمِيُّ فِي غالِب واقِعِهِ - بالذَّات في المجالات النظريَّة - فإنَّهُ معالجاتٌ فِكْريَّة لِدَقائِقَ تفصيلية وخلافية في إطار التخصص، الذي يمثل فنًّا مُنْعزلاً عن فُنون العلم الأخرى، فالجزئيَّة هي سِمَتُهُ المقابلة للشُّمولية الثقافيّة.
- الخاصّيَّة الثانية الواقعية التي تربط حركة المُثقف بالوَاقِع الحيّ لمجتمعه أو أُمَّتِهِ، الواقع الذي يعيشه الناس بمشكلاته وطموحاته ومختلِف همومه، خلافا للعلم التخَصّصيِّ الذي يَنْعَزِلُ صاحِبُه عن واقِعِ الحياة العمليِّ انْعِزالاً فِكريًّا حاصرًا مواقِعَ تَأْثِيره فِي دوائر التخصص الضَّيِّقَة، أو بناء الفِكْر الطُّلابي بناءً معرفيًّا بحتًا.
وهنا أمام الارتِباكِ الذي يقع فيه المتخصِّص (عالِمًا أو مُفَكِّرًا) لا مناص له من:
- أن يتلكَّأ عن مُداخَلَةِ الحياة الاجتماعية.
- أن يداخل هذه الحياة من خلال تخصُّصِه بأن تكون محاضراته - مثلاً - في دقائق التخصّص التي تجعل الناس في وادٍ، وهو في وادٍ آخر.
- أن يداخل الحياة الاجتماعية، ويُعالِجَ قضاياها دون أن يمتلك الأدوات الثقافية، وقواعدَ العمل الثقافي، فتكون مُداخلته محاضرة أو مشاركة في ندوة أو بحثًا في مؤتمر فكريٍّ، أو بَرْنامجًا في وسيلة إعلامية فجَّة مكشوفة الضَّحَالة، عَقِيمة الفائدة.
- إذا ربأ بنفسه عنِ الخيارات السالفة، فإنه لتحقيق فعلٍ ثقافيٍّ ناجحٍ سيتجاوَز تخصُّصه نحو الفضاء الثقافيِّ العامِّ قراءةً للفكر العامِّ، واستجماعًا لتصوُّراتٍ مُتماسِكة عن الوَاقِع الاجتماعي والحضاري، ورُكونًا إلى أُسُسٍ موضوعية ومنهجية، تجعل إسهاماته في الحياة الاجتماعية والحضارية ثقافية حائزة على شموليتها، وواقعيتها وعصريتها.
هذا طموحٌ نبيلٌ من هذا العالِم أو المُفَكِّرِ؛ لكنه يبقى محدودًا في عدد أفراده بالنسبة للمُتخصِّصين، وقاصرًا - في الغالب - عنِ امتلاكِ تلك الأُسُس؛ نتيجة الجُهْد الفرديِّ لتحقيق هذا الامتلاك، خاصة في دائرة الثقافة الإسلامية التي تستلزم من المتحرك في مجالها - من المُتخصِّصينَ في العلوم اللُّغوية والإنسانية والتَّقَنِيَّةِ - مَعْرِفةً شرعيَّة ليست تخصُّصِيَّة؛ كما لدى الفقيه الشرعيِّ؛ ولكنها معرفة تضبط له حركته الثقافيةَ من الزَّيْغ عن الحق، وتَحْمِيه من اسْتِهْواء النظريات والأفكار والمناهج المُناقِضة للإسلام، بما تَتَزيَّا به من عناوينَ، وما يضفى عليها من هالات العلمية، وصِحَّة التطبيق ونحوها.
هذه الوضعية - أقْصِدُ حاجة السَّاحة الثقافيَّة في المجتمع المسلم، والأُمَّة بالعُموم إلى المشاركة الإيجابية في جوانبها المختلفة، معالجة لمشكلاتها، ورسمًا لمسالك النهوض لها، من قِبَل المُتخصِّصينَ (علماء ومفكرين) مِنْ ذَوِي الغيرة الدينية، والرغبة الصادقة في خدمة الدين والأمة -: حَفَّزَتْ عددًا من الدوائر الثقافية؛ لاتخاذِ الوسائل التي تُلبِّي هذه الحاجة، ومن هذه الدوائر "قسم الثقافة الإسلامية" بكلية الشريعة بجامعة الإمام الذي أُنْشِئ قبل أكثر من ثلاثة عُقود؛ فقد تَنبَّه لهذه المشكلة، واتخذ مَسْلَكينِ إزاءها:
المسلك الأول: فتح دراسات عُلْيا في "الثقافة الإسلامية" في مجالات:
- القِيَم.
- والنُّظُم.
- والفِكْر وقضاياه.
تمثل تَخَصُّصًا عِلميًّا (ماجستير ودكتوراه)؛ ولكنَّه تخصُّص عِلميٌّ منفتِح على الواقع، متماسٌّ مع شُؤونِه الحيَّة؛ سواء في المرحلة الدراسية أو في الرسائل المُعَدَّة، التي تَنْأَى بنفسها عن المباحث النظرية المفْصُومة عن مشكلات الواقع، ولهذا تَبْقَى مَوْضُوعاتُها ومُعالَجاتُها مُرْتَبِطةً بما يجري في الواقع، مُسْهِمَةً في رسم التصوُّر الشرعيِّ له، وتقديم الحُلول الشرعية الوَاقعيَّة له.
وقد وَعَى المجتمعُ ودوائرُهُ الثقافية والاجتماعية رُشْدَ هذا المسلك، وقيمةَ ثَمَراته؛ ما جعل هذه الدوائر تُبَادِرُ كلَّ آنٍ بطلب طباعة رسائل القسم، ضمن إصداراتها (مؤسسة الملك فيصل - مكتبة الملك عبدالعزيز العامة - المعهد العالمي للفكر الإسلامي... إلخ) وما جعل كثيرًا من هذه الرسائل تُرَشَّحُ لعديد من الجوائز، ويفوز عدد منها بهذه الجوائز.
المسلك الثاني: وَضْع "مُقرَّرٍ" في الثقافة الإسلامية، يُدَرَّس ضمن الساعات المنهجية لمرحلة الماجستير لطلاب مختلف التخَصُّصات العلمية (الشرعية، واللغوية، والإنسانية) بواقع مُحَاضرتَيْنِ في فصل دراسي، أو محاضرة في فصْلَيْنِ.
يهدف هذا المقرر إلى:
1- التعريف بالعناصر التي تكوّن شخصيَّة "المثقف".
2- ومدى تداخُل مصطلح المثقف مع مصطلحات [ العالِم، المُفكِّر، الداعية.. ].
3- التعريف بوظيفة المثقف في المُجتمع المعاصر.
4- دراسة الواقع الثقافي في عالَمنا الإسلامي من حيث:
- تحقُّق المُنتَسبينَ للثقافة في مُخْتلف النُّخَب - إسلامية، وعصرانية - بالعناصر المؤهلة لحمل لقب مُثقَّف.
- والمنتج الثقافي لِتِلك النُّخَب من حيث وفاؤُه بِمُتطلبات حاضر الأمة حلاًّ لمشكلاتها، وارتقاءً نَهْضَوِيًّا بها.
- تدريسُ الأُسُس الموضوعيَّة والمنهجِيَّة التي تُساعِد طالب العلم المُتَخَصّص على التأهُّل لأداء رسالته الثقافيَّة في مجتمعه وأمته، والقيام بِدَوْرِه الإسلامي والإنسانِي قِيامًا ناجعًا جامعًا بين الثقافيَّة والمعاصرة معًا.
مُفْرَدَات المُقَرَّر:
لا حاجة لبيان تفاصيل هذه المفردات، إذ يكفي أن أشير إلى أنَّ المُقَرَّر ينقسم إلى قِسمينِ:
القسم الأوَّل: عن "المثقف" من حيث:
- العناصر التي تُشكِّل شخصيته، وما يزيد من عناصر إذا كان "مثقفًا إسلاميًّا".
- النُّخْبَة المُثقَّفة العَصْرانية في العالم الإسلامي:
- تعريفها وبيان تيَّاراتها.
- نشأتها وتطورها ومصادرها.
- تقويمها من حيثُ علاقَتُها بالإسلام وبالأُمَّة، وبالإبداع، وبالفكر المعاصر.
- أزمة الثقافة العصرانية، وتَحَوُّلاتها الرَّاهِنة.
- النُّخْبة المثقَّفة الإسلامية:
- تعريفها وذكر فئاتها.
- عناصِرُها "الإسلاميَّة" الجامعة لها.
- تقويم النخبة المثقَّفة الإسلامية من حيث العلاقة بالإسلام، وبالأمة، وبالإبداع، وبالحضارة المعاصِرة.
القسم الثاني: الحركة الثقافية للمُثقَّف الإسلامي:
- تعريف الحركة الثقافية.
- أهداف الحركة الثقافية.
- قَنَوَات إنجاز الحركة الثقافية.
- الأُسُس الموضوعيَّة الَّتِي تقوم عليها الحركة الثقافية للمثقف الإسلامي:
- الأساس الإيمانِيُّ.
- الأساس القيمي.
- الأساس المعرفي.
- الأسس المنهجية التي تنضبط بها الحركة الثقافية لهذا المثقف، التي من أبرزها:
- التوحيد.
- سيادة الوحي على التفكير.
- الشمولية.
- فقه الواقع.
- المعيارية والإطلاق.
- ضبط الاصطلاح.
- منهج التعامل مع التراث.
- الاستشراف المستقبلي... إلخ.
الجانب التطبيقي للمقرر:
يتمثل هذا الجانب في مَجَالَينِ:
1- حلقات بحث نقاشية.
2- ومقالات علميّة.
1- حلقات البحث النقاشية:
أ) تتم حلقات البحث من خلال:
- تكليف أحد الطلبة بإعداد موضوع محدد، يُعالِج مشكلة قائمة في الواقع مُسْبَقًا.
- تكليف طالبَيْنِ آخَرَيْنِ - كل منهما - بإعداد تعقيب تحليلي نقدي لذلك الموضوع.
- عَقْد جلسة المُناقشة، التي يقدم فيها الطالب موضوعه، ثم المعقبان، ثم يفتح المجال لباقي الطلبة للتعقيب، ومِنْ ثَمَّ للأستاذ.
- يقوِّم الأستاذ الطَّلبة الثلاثة: مُعِدّ الموضوع، والمُعقِّبَينِ فقط في هذه الحلقة.
ب) وهذا يعنِي أنَّ كُلَّ ثلاثةٍ يَحْتاجون لِحلقة بحثٍ نِقاشية؛ حتى يمكن تقويم جميع الطلبة.
ج) نتيجة وجود فَرَاغ في بعض أيَّام الأسبوع، فالأفضل أن تعقد الحلقة في ساعات إضافية خارج ساعة المادة.
2- المقالات العلمية:
هذه المقالات ليست صحفية يسترسل بها القلم من عَفْو الخَاطِر، وليست بُحُوثًا علمية يُعالج الواحد منها عددًا من المسائل في موضوع مُعين، في عشرات الصفحات، وإنما هي مقالة لا تزيد عن عشرين صفحة، يسعى الطالب فيها إلى توظيف ما يدرسه من أسس موضوعية، ومنهجية ليقدم جهدًا ثقافيًّا إسلاميًّا.
وهي علمية؛ من حيث أَخْذُها بالمنهج العلمي؛ تحليلاً وتقويمًا وتأصيلاً، يعالج فيها قضية مفردة، مراعيًا الهَمَّ الاجْتِماعِيَّ المُتَعَلّق بِها، دُونَ أبعادِها الفلسفية، والشرعية التفصيلية ونحوها.
ومن أمثلة القضايا التي يُمْكِن مُعالَجَتُها في الصورتين معا "حلقات البحث، والمقالات":
أ) في الانتماء الدّينيّ (الهُويَّة، التَّديُّن، منهج الدعوة، شُمُولية الإسلام).
ب) في مجال الفكر (التثقُّف، التربية، العلم التقني، الاختراق الثقافي).
ج) في مجال الاجتماع (الالتزام الخلقي، قضايا المرأة، الحرية، السلوكيات الخاطئة).
منهج الكتابة في "حلقة البحث"، و"المقال العلمي":
- الكتابة معالجة علمية واقعية، ولا تزيد عن عشرين صفحة.
- المعالجة ليست فَتْوَى، يكفي فيها إصدار حُكْمٍ شَرْعي بدليله؛ وإنما هي دراسة تَنْظِيرية "واقعية أو فكرية".
- يشتمل منهج التناول على ما يلي:
1) العرض: بيان طبيعة الموضوع؛ كما هو في حياة الناس، ويمكن ذِكْر نماذج؛ إما أن تُؤْخَذ استِبيانات يقوم به الباحث أو من الصحافة، أو من الزملاء، أو من أقارب الباحث، أو من خلال واقعه هو؛ لكن لابد أن تؤخذ الصورة العامة، لا للمَوَاقف الشاذَّة.
2) التحليل: بالبحث عن الأسباب التي أَدَّتْ إلى ظهور هذا الوَاقِع، وتلمس آثاره الفردية، والاجتماعية، والدينية.
3) النَّقْد: بالحُكْم على هذا الواقع - سلبياته وإيجابياته معًا - ويُبْنَى الحكم النقدي على الأحكام الشرعية، وعلى المصلحة سواءٌ كانت اجتماعية، أو مادية، أو صِحيَّة.
4) البناء: بتحديد الصورة النموذجية (المُثْلَى)، التي ينبغي أن يكون عليها هذا الواقع، بحيث يكون مُتَّسقًا مع الشريعة محقِّقًا للمصلحة، ويمكن ذِكْر نماذج من التاريخ الإسلامي، تعزِّز هذا النموذج.
- ومما ينبغي اعتباره:
1- أن يكون للوَاقِع الاجتماعي الذي يعيشه المجتمع - كما هو - وللتقاليد المقبولة، والرأي العام اعتبارٌ مُتَّزنٌ دون إهمال، أو تَضْخِيم.
2- أن تكون الصورة المطلوبة ليست خيالية؛ حتى لا يكون موقف القُرَّاء مُجَرَّدَ إعجاب بها دون سَعْي لتحقيقها.
3- أن يستحضر الكاتب - وهو يكتب - الشريحةَ التي يتجه إليها بما يكتب (زملاء في الجامعة، أو أدباء، أو رجال أعمال، أو ربات بُيُوت، أو طُلاّب مدارس، أو الجميع).
4- هذا الاستحضار يمد الكتابة بروح تربوية، وواقعية، ويكثف الشعور بالمَسْؤُولية خلالها.
وبعد فلقد دَرَّست هذا المقرر بضع سنوات لتخصصات مختلفة طلابًا وطالباتٍ، ولقي هذا المُقَرَّر تجاوُبًا كبيرًا وشعورًا بالاستفادة، مما جعل التواصُل بين الدارسينَ ومدرسيهم قائما لدى كثير منهم، حتى بعد التخرج.
ضِيق مُحاضَرات المُقرَّر لا يُتِيح فرصة لتطبيق الحلقات النقاشية؛ لَكِنْ تَمَّ تطبيق "المقالات العلمية": التي هِيَ عِبَارَةٌ عنْ بُحُوثٍ مُرْتَبِطة بِقَضايا واقعيَّة، تُبْنَى هذه البحوثُ على تصوُّر الواقع، وتحليل أبعاده، ونقده، وتقويمه.
وحتى تتضح الصورة، أُمثِّل ببعض من الموضوعات التي بحثها الطلاب والطالبات في فصول ماضية:
طلاب
طالبات
مقاهي الإنترنت
الدَّوْرِيَّات النسائية
الدَّوْرِيَّات العائلية
الأسواق النسائية
الاستراحات الشبابية
مساحيق التجميل
رسائل الجوال
العباءة في تطوراتها
حلقات تحفيظ القرآن
قصور الأفراح
الفَتَاوى الفضائيَّة
بعض المواقع النسائية في الإنترنت
بعض البرامج الثقافية في الفضائيات
العمليات التجميلية
بعض صفحات الرأي في الصحف والمجلات
العمل الدعوي للمدرسة
بعض الأفلام الكرتونية
شغالة الموظفة
الحوار الوطني
الزوايا النسائية في صحيفة كذا
وحسبك أن تعلم أن عددًا من هذه الموضوعات وأمثالها، طبعت في كُتيبات، وبعضها نشر في الصحف، وفي المواقع الشبكيَّة، واستُضِيفَ بعضُ الباحثين في حلقات إذاعية؛ لمُناقشتهم حول موضوعات بُحُوثِهِم.
لهذا كله وأيضًا للحاجة الماسَّة لِلْمُسْلِم المُتَخَصّص في أيٍّ من فنون العلم إلى الأساسيات التي يركن إليها في التفاعل الثقافي مع عصره، الذي لم يعد أمام أحدٍ مَنَاصٌ مِنَ التَّفاعُلِ مَعَهُ في ظِلال عولمة غاشية لكل جوانب الحياة، ولكل فئات الناس - لهذا جَمِيعِهِ - فإنَّ تَوْصِيةَ هَذِه الورقة تتلخَّص في:
إدخال مقرر "الثقافة الإسلامية" ضمن الخُطَّةِ الدراسية لمرحلة الماجستير، الذي يَهْدُفُ إلى إعطاء طالب العلم - المتخصِّص في أيٍّ من فنون العلم الشرعيّ أو اللغويّ أو الإنسانيّ أو الطبيعيّ -: المؤهلاتِ الأساسيةَ في الموضوع، والمنهجَ لاستكْمَال عناصر شخصية المثقَّف لديه، ومن ثَمَّ للقيام بدَوْرِهِ الثقافيِّ في مجتمَعِهِ وأُمَّته، وتوظيف تخصُّصِهِ العلميِّ في أداء هذه الرسالة الثقافية.
والله الموفق

مفهوم الثقافة الإسلامية


مفهوم الثقافة الإسلامية
د. ناصر بن عبدالرحمن اليحيى
مفهوم الثقافة الإسلامية[1]
نشأ مصطلح الثقافة الإسلامية في العصر الحديث، ومر بتطورات فرضت واقعها على المفهوم. هذا الواقع أنتج اتجاهات؛ كل واحد منها صاغ مفهوما يعكس تصوره للثقافة الإسلامية. ومن أوائل من كتب في هذا الموضوع د.رجب سعيد شهوان في كتاب بعنوان "دراسات في الثقافة الإسلامية"، وقد حاول هو ومن شاركه في التأليف التنظير لمفهوم الثقافة الإسلامية بطريقة أقرب إلى التجريدية منها إلى الواقعية من الناحية الإجرائية التي انطلقوا منها في تعريف الثقافة الإسلامية، فعلى سبيل المثال قاموا باستنباط ثلاثة اتجاهات لواقع الثقافة الإسلامية وهذا شيء جيد، ولكن يلحظ أن تعريف الثقافة الإسلامية لكل اتجاه لم يصدر عن أصحاب الاتجاه نفسه، بل يبدو من تشابه صياغة التعريفات في كل الاتجاهات أن واضعه واحد أو مجموعة، حاولت أن تتمثل كل اتجاه، وتضع له تعريفا، والمنهج العلمي يقتضي أن يضع التعريف المتخصص في الفن نفسه، المدرك لجوهره، والملم بأبعاده وموضوعاته...الخ؛ حتى يخرج التعريف جامعا مانعا؛ لذا أجد أن بعض التعريفات لم ترق إلى المستوى الذي يعرف بالاتجاه تعريفاً دقيقاً.
الاتجاهات في تعريف الثقافة الإسلامية[2]:
ذكر د. رجب سعيد شهوان ثلاثة اتجاهات في تعريف الثقافة الإسلامية وهي:
الاتجاه الأول: يرى أن الثقافة الإسلامية مصطلح يعبر عن حياة الأمة الإسلامية، وهويتها الدينية والحضارية، وقد عرفت الثقافة الإسلامية على هذا الأساس بأنها: "معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة، بتفاعلاتها في الماضي والحاضر؛ من دين، ولغة، وتاريخ، وحضارة، وقيم، وأهداف مشتركة".
الاتجاه الثاني: يرى أن الثقافة الإسلامية مصطلح يعبر عن مجموع العلوم الإسلامية الصرفة أو الشرعية، وقد عرفت الثقافة الإسلامية على هذا الأساس بأنها: "معرفة مقومات الدين الإسلامي، بتفاعلاتها في الماضي والحاضر والمصادر التي استقيت منها هذه المقومات".
الاتجاه الثالث: يرى أن الثقافة الإسلامية مصطلح يعبر عن علم جديد، يضاف إلى العلوم الإسلامية، وهو علم ظهر نتيجة التحديات المعاصرة للإسلام، والأمة الإسلامية، وقد عرفت الثقافة الإسلامية على هذا الأساس بأنها: "معرفة التحديات المعاصرة، المتعلقة بمقومات الأمة الإسلامية، ومقومات الدين الإسلامي".
بعد هذا العرض المجمل لهذه الاتجاهات وتعريفاتها لعل القارئ يوافقني- فيما أشرت إليه سابقا- من أن هذه التعريفات لم تصدر عن أصحاب الاتجاهات نفسها، وإنما حاول تمثلها من اشترك في تأليف الكتاب الذي وردت فيه.
بعد هذه الدراسة، ظهرت دراستان أكثر جدية وموضوعية، اهتمتا بمصطلح الثقافة الإسلامية، على أساس أنه يعبر عن علم جديد اسما، قديم موضوعا وتأليفا، هاتان الدراستان حاولتا جاهدين التنظير للعلم تعريفا وتقسيما على أساس أن الثقافة الإسلامية علم معياري مثله مثل علمي العقيدة والفقه. أولى الدراستين كان رائدها أ.د. عبد الرحمن الزنيدي، حيث كتب بحثا بعنوان "مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية"، عرف فيه الثقافة الإسلامية بأنها: "علم كليات الإسلام، في نظم الحياة كلها، بترابطها[3]"، وقد حلل التعريف؛ بذكر محترزاته، بحيث خرج إلى حد كبير جامعا لموضوعات العلم، مانعا من تداخله مع التخصصات (العلوم) الأخرى.
الدراسة الثانية هي نتاج عمل جماعي، لمجموعة من الأساتذة المختصين في علم الثقافة الإسلامية، بقسم الثقافة الإسلامية، في كلية الشريعة، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، هذا العمل خرج في كتاب تنظيري لعلم الثقافة الإسلامية يحمل عنوان "الثقافة الإسلامية - تخصصا ومادة وقسما علميا"، عرفت الثقافة الإسلامية فيه بأنها: "العلم بمنهاج الإسلام الشمولي في القيم والنظم والفكر ونقد التراث الإنساني فيها"[4]، وقد قامت هذه الدراسة مثل سابقتها بتحليل التعريف من خلال ذكر محترزاته؛ فخرج المفهوم منضبطا ودقيقا، وأجمع من سابقه؛ وهذا يتضح من خلال المقارنة بين التعريفين بشأن ما أجمعت عليه كلتا الدراستين بخصوص منهج علم الثقافة الإسلامية، الذي تحدد فيه وظائف العلم؛ فالأول اقتصرت عبارته على إظهار علم الثقافة الإسلامية بأنه علم تأصيلي[5]، بينما الثاني اشتمل على الجانب التأصيلي، والنقدي للتراث الإنساني.
كما ألحظ أن الدراسة الأولى، حاولت جاهدة، في التنظير لمفهوم مصطلح الثقافة الإسلامية، أن تربط مفهوم الثقافة الإسلامية بوصفها علما، بمفهوم علم الثقافة، الذي وضع كاتب الدراسة نفسه تعريفا له بأنه: "العلم الذي يبحث كليات الدين في مختلف شئون الحياة"[6]، منطلقا من فهمه، بأن مصطلح الثقافة في الفكر الغربي يعني النظام الكلي في المعرفة، والدين، والأدب، والفن، والأخلاق، والقانون، والتقاليد؛ هذا المنهج حتما يصور للقارئ أن علم الثقافة الإسلامية منهجيا مبني على مفهوم علم الثقافة.
وبالتحقيق في الدراسة؛ أجد أن مفهوم علم الثقافة الإسلامية، وفقا لتصور أ.د. عبد الرحمن الزنيدي، إنما بني على تصور جزئي لمفهوم الثقافة في الفكر الغربي، وليس لمفهوم علم الثقافة، وأقرب تعريف للتصور الذي خرج به، وبنى عليه؛ هو تعريف إدوارد تيلور للثقافة بوصفها أسلوب حياة، وليس علما، حيث قال: الثقافة هي: "ذلك الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والعقيدة والفن والأخلاق والقانون والعرف والعادة وكل المقومات الأخرى التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع"[7].
أما علم الثقافة في الفكر الغربي فأول من عرفه هو فلهلم أوزفالد حيث عرفه بأنه: "الدراسة العلمية التفسيرية للظواهر الثقافية"[8]. لذا ألحظ فرقا شاسعا بين تعريف الثقافة بوصفها علما عند أ.د. عبد الرحمن الزنيدي الذي بنى عليه تعريف علم الثقافة الإسلامية، وبين تعريف علم الثقافة في الفكر الغربي؛ حيث بدا جليا، أن تصور أ.د. عبد الرحمن الزنيدي لعلم الثقافة؛ مقتصر على كليات الدين، ولم يقل بذلك أحد ممن سبقه لا في الفكر الغربي - الذي سبق في التنظير لعلم الثقافة - ولا في الفكر الإسلامي. ومن الممكن عزو هذا التصور لدى أ.د. عبد الرحمن الزنيدي إلى عدد من الأسباب؛ منها:
1- اقتصاره على مفهوم الثقافة بوصفها أسلوب حياة في الفكر الغربي بينما الأولى اعتماده على مفهوم الثقافة بوصفها علما.
2- تأثره بمفهوم الأيدولوجيا في الفكر الغربي حيث عرفت على أنها: "الأصول العامة في الوجود والإنسان ونظم الحياة المختلفة سواء كانت عقدية أو سلوك أو اجتماعية" الذي اعتبرها أ.د. عبد الرحمن الزنيدي مصطلحا على أقل تقدير يتقاطع تقاطعا كبيرا، إن لم يتماثل مع مصطلح الثقافة بوصفها علما، وفق تعريفه هو، وبالمقارنة بين مصطلح الأيدولوجيا، وبين مصطلح علم الثقافة في الفكر الغربي من حيث التعريفين السابقين نلحظ البون الشاسع بينهما.
3- واقع منهج الثقافة الإسلامية، المطبق في قسم الثقافة الإسلامية، منذ تأسيسه بكلية الشريعة، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وغيره من الأقسام المناظرة، في بعض الجامعات والكليات؛ حيث صورت الثقافة الإسلامية، من خلال مقرراتها الجامعية، على أنها تدرس الإسلام عقيدة؛ وقيما؛ ونظما؛ و فكرا؛ بصورة كلية شمولية، يركز فيها على الأصول العامة، التي تبنى عليها تلك العناصر.
إضافة إلى ذلك، فإن مفهوم علم الثقافة الإسلامية- كما عرف سابقا-؛ إنما هو انعكاس لواقع حالة عاشتها الأمة الإسلامية، في بداية صراعها مع القوميات والنزعات التحررية -وبقي هذا المفهوم مراوحا مكانه-، ولم ينطلق من تاريخ المصطلح نفسه.
وفي الحقيقة إن الثقافة هي نتاج مجتمع، من خلال فهمه، والأفهام تختلف باختلاف المجتمعات وبيئاتها، والأمة الإسلامية لم تعد مجتمعا واحدا، بل مجتمعات، تنوعت أفهمها؛ بناء على تنوع مذاهبها العقدية، والفقهية؛ وبناء على ذلك تنوعت ثقافاتها التي هي انعكاس لأساليب حياتها الفكرية والاجتماعية، فمن الصعب جمع الأمة الإسلامية على ثقافة واحدة، وإن توحدت على ثوابت معينة، فإنها تختلف فيما بينها في تفسير كثير من النصوص التي تبنى عليه أسلوب حياتها؛ لذا أرى أن التعريف المعياري لعلم الثقافة الإسلامية يبقى تجريديا.
وبناء على ما سبق؛ أقترح تطوير مفهوم علم الثقافة الإسلامية، بحيث يتحول من كونه علما معياريا-الذي أوقعه في كثير من الإشكاليات مع بعض التخصصات الشرعية والإنسانية-، إلى كونه علما تفسيريا، يستمد مفهومه من تاريخ علم الثقافة نفسه، وفق التعريف الغربي السابق، بحيث يمكن تعريفه على أنه"علم تفسير الظواهر الثقافية في المجتمع الإسلامي"، وبهذا يتحرر من إشكالية الالتباس بغيره من التخصصات المشار إليها أولا، وينطلق من تاريخ علمي للمصطلح نفسه ثاني،وكذلك يختص بدراسة الظواهر الثقافية العامة والخاصة، الإيجابية والسلبية بخاصة، التي تعج بها المجتمعات الإسلامية في هذا العصر؛ بسبب الإفراط والتفريط (التعصب والتساهل)، ولعل من أبرزها ظاهرة التطرف أو ما يسمى بالإرهاب، وظاهرة الانهزامية، والتغريب وغيرها من الظواهر، التي تحتاج إلى دراسة علمية، متخصصة، تفسر هذه الظواهر؛ بدعا بمفهومها وأسبابها، وانتهاء بعلاجها، وقس على ذلك الظواهر الثقافية الخاصة بكل مجتمع من المجتمعات الإسلامية. وهذا الاقتراح- الذي يعتبر مشروعا- يحتاج تفعيله مؤسسة علمية، أو إلى فريق عمل، مقتنع بالفكرة، يحدد مفهوم الظاهرة الثقافية، والآليات المنهجية، التي من خلالها تتم دراسة الظاهرة وتفسيرها.
ـــــــــــــــــــــــــ
[1] ورقة عمل مقدمة في ندوة مقررات الثقافة الإسلامية بين واقعها والمتغيرات والمنعقدة في رحاب كلية التربية بجامعة الملك فيصل في المملكة العربية السعودية.
[2] انظر "دراسات في الثقافة الإسلامية"، د. رجب سعيد شهوان وآخرون، ص11-12.
[3] "مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية" مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عدد2،محرم 1410هـ ص89.
[4] "الثقافة الإسلامية - تخصصا ومادة وقسما علميا"ص13.
[5] بالرغم من أن الدراسة ذكرت في موضوع منهج علم الثقافة الإسلامية الجانب النقدي، ومن ضمن موضوعاته المذاهب والنظريات الحديثة، إلا أن هذا لم يظهر في التعريف. انظر"مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية" مجلة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية،عدد2،محرم 1410هـ ص96، 98.
[6] المصدر السابق ص89.
[7] "قاموس علم الاجتماع" د. محمد عاطف غيث مادة"ثقافة".
[8] المصدر السابق، مادة "علم الثقافة".

الثقافة الإسلامية تخصص علمي


الثقافة الإسلامية تخصص علمي
أ. د. محمد بن يحيى بن حسن النجيميمقالات ذات صلةتاريخ الإضافة: 7/6/2007 ميلادي - 21/5/1428 هجري زيارة: 2616
الثقافة الإسلامية تخصص علمي
من تخصصات العلوم الإسلامية وتخصص دقيق في الدراسات العليا
مقدمة:
شهد العالم الإسلامي في الربع الثالث من القرن العشرين يقظة إسلامية، فقد استطاعت معظم أقطار العالم الإسلامي أن تتحرر من الاحتلال الأجنبي وتنعم بحياة الاستقلال، وبدأت خيرات البلاد الإسلامية وكنوزها تعود إلى أهلها شيئًا فشيئًا، وظهرت هنا وهناك دعوات إلى إقامة المجتمع الإسلامي الذي يعتمد نظام الإسلام في شؤون الحياة كلها، وقامت نهضة علمية واقتصادية وصناعية حققت كثيرًا من أحلام المصلحين وآمالهم.
غير أن الصورة المضيئة لم تكن كاملة، فقد شهد هذا العالم كوراث ونكبات، وتعرض لانقسامات ومظاهر من الانحراف والبعد عن الطريق القويم تفوق ما مر عليه طيلة قرون طويلة[1].
كل هذا يجعل أمرًا محتمًا أن يعرض الإسلام على حقيقته عرضًا شاملاً واضحًا بحيث تبدو جميع معامله متناسبة الأجزاء، مع بيان حكمة تعاليم الإسلام وتفوق مبادئه على جميع الأديان والمذاهب والأنظمة الأخرى.
إن مادة الثقافة الإسلامية تحرص على إعطاء الطالب صورة شاملة عن الإسلام قبل أن يدخل في التفصيلات، فهي لا تبحث في التوحيد أو الفقه أو التفسير أو غيرها من العلوم الإسلامية كعلوم قائمة بذاتها ولكنها تستفيد من هذه العلوم جميعًا للتعرف على حقيقة الإسلام، وروح الثقافة والحضارة الإسلامية وطبيعة هذا الدين المتميز الذي يجمع بين رغبات الروح والجسد.
قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[2][3].
ومن هنا نشأت فكرة أن الثقافة الإسلامية تخصص علمي من تخصصات العلوم الإسلامية، وتخصص دقيق في الدراسات العليا، وذلك لأن تخريج معلمين متخصصين في تدريس الثقافة في المراحل الأولى والمراحل الجامعية يتطلب متخصصين في هذا الفن ومن هنا نشأت أقسام للثقافة الإسلامية في أكثر جامعاتنا وأقسام للدراسات العليا لهذا الفن الجديد.
وقد تلقت كلية الملك فهد الأمنية دعوة كريمة من جامعة الملك فيصل لحضور هذه الندوة المباركة واخترت أن أكتب في المحور الأول وهو "الثقافة الإسلامية تخصص علمي من تخصصات العلوم الإسلامية وتخصص دقيق في الدراسات العليا".
ويتناول الموضوعات التالية:
1- نشأة علم الثقافة الإسلامية وتميزه عن التخصصات الإسلامية الأخرى.
2- الاختلاف في تعريف الثقافة الإسلامية والتعريف المعتمد تدريسه.
3- منهج البحث لعلم الثقافة الإسلامية.
4- مصادر علم الثقافة الإسلامية.
5- قضايا علم الثقافة الإسلامية وأثرها في الحياة المعاصرة.
6- الصورة المعاصرة لتأصيل علم الثقافة الإسلامية كتخصص في برامج الدراسات العليا.
وفي الختام أسأل الله أن يلهمنا الرشد والصواب وأن يرزقنا صدق النية وحسن العمل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أولاً: نشأة علم الثقافة الإسلامية وتميزه عن التخصصات الإسلامية الأخرى:
إن علم الثقافة الإسلامية بمفهومه الشامل المتضمن دراسة الكليات الإسلامية وأًوله في الوجود كله قد نشأت أولاً من منهج الكتاب والسنة في عرض رسالة الإسلام بجوانبها المتعددة في وحدة متكاملة، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[4]، وقوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[5]، وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[6]، وقوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[7].
فهذه الآيات القرآنية جمعت في نسق واحد توجيهات تشريعية عملية وعقدية، وأخلاقية، وتربوية، هي جميعًا من صميم علم الثقافة الإسلامية، ثم نشأت ثانيًا من منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فهموا رسالة الإسلام وأهدافه فهمًا عميقًا شاملاً يدل عليه الرسائل المتبادلة بين الخلفاء الراشدين وعمالهم وولاتهم في شموليتها لكل جوانب الإسلام. وسار أئمة العلم على هذا المنهج بعد الصحابة، وكانوا علماء بالإسلام كله لا ببعض أجزائه[8].
وفي العصر الحاضر حينما سهل الاتصال بين الناس وتيسرت وسائل المعرفة جهدت التيارات الهدامة في نشر مبادئها فأصبح من السهل على الإنسان أن يأخذ تصورًا كاملاً عن مذهب ما من تلك المذاهب من خلال كتاب واحد يجمع أصوله في كل النظم[9].
فاتجه بعض العلماء والمفكرين غيرة على دين الله وتقديمًا للبديل الصحيح المتمثل بالإسلام إلى الدراسة الشمولية للإسلام من خلال بيان النظم الإسلامية أو النظام الإسلامي في مجال التربية والصحة والأسرة والسياسة والاقتصاد ونحوها من الموضوعات.
كما يقوم على دراسة الشبهات التي أثارها بعض المفكرين اللبراليين والمستشرقين، فيما يتعلق بالمرأة وعملها، والرق، والوحي، والنبوة، والزواج، والتاريخ المزيف عن المسلمين أو الإسلام. ودراسة الاستشراق وبيان ما فيه من المفاسد والمصالح.
ويقوم أيضًا على دراسة التيارات الفكرية الحديثة كالعلمانية والوجودية والرأسمالية والماسونية والصهيونية وغيرها من المذاهب والفرق الضالة. وبيان أخطائها وأخطارها[10].
ثانيًا: الاختلاف في تعريف الثقافة الإسلامية والتعريف المعتمد تدريسه في المرحلة الجامعية:
نظراً لكون كلمة الثقافة ذات أبعاد كبيرة ودلالات واسعة يضيق عن استيعابها النطاق اللغوي لأصل الكلمة، ونظرًا لكون هذه الكلمة من الألفاظ المعنوية التي يصعب على الباحث تحديدها؛ شأنها في ذلك شأن لفظ: التربية والمدنية وغيرهما من المصطلحات التي تجري على الألسن دون وضوح مدلولاتها في أذهان مستعمليها. ونظرًا لكون علماء العربية والإسلام لم يستعلموا كلمة الثقافة بالمعنى الواسع ولم يقيموا علمًا مستقلاً يسمى بالثقافة، وإنما جاء التعبير بهذه الكلمة وليد الأبحاث والدراسات الحديثة. نظرًا لهذا كله فإنه لم يوجد حتى الآن تعريف محدد متفق عليه لمصطلح الثقافة الإسلامية وإنما هي اجتهادات من بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين، ومن هنا تعددت التعريفات لهذا المصطلح.
فثمة اتجاه يجعل (حياة الأمة الإسلامية) أساسًا يدور عليه التعريف، وبهذا تكون الثقافة الإسلامية مرادفة للدراسات الإسلامية أو العلوم الإسلامية.
وثمة اتجاه يرى أن الثقافة الإسلامية علم جديد، له موضوعاته الخاصة التي تميزه عن غيره من العلوم الإسلامية كالحديث أو التفسير أو الفقه.
ونظرًا لهذه الاتجاهات تعددت التعريفات بحسب التصورات على النحو التالي:
1- التعريف العام للثقافة الإسلامية (معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة، بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، من دين ولغة وتاريخ وحضارة، وقيم وأهداف مشتركة بصورة واعية هادفة).
ويقوم هذا التعريف على دراسة حياة الأمة الإسلامية من جميع جوانبها على أساس أن لكل أمة ثقافتها التي هي عنوان عبقريتها وثمرة اجتهادها.
2- التعريف الخاص للثقافة الإسلامية (معرفة مقومات الدين الإسلامي، بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، والمصادر التي استقيت منها هذه المعوقات، بصورة نقية مركزة).
ويعني هذا التعريف دراسة العلوم الإسلامية الصرفة بجوانبها المتعددة مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وما أضافه علماء العقيدة والتفسير والحديث والفقه والسيرة من ثمرات الفكر الجاد والاجتهاد الأمين.
التعريف المميز للثقافة الإسلامية:
معرفة التحديات المعاصرة، المتعلقة بمقومات الأمة الإسلامية ومقومات الدين الإسلامية صورة مقنعة موجهة.
ويقوم هذا التعريف على دراسة العلوم العصرية الجديدة التي أخذت تتطلب من المسلمين استخلاص الكائنات الفكرية من شتات التراث الإسلامي، وتقديمها في بحوث مستقلة متكاملة، لمواجهة التحديات العلمية الغربية في مجالات التربية والصحة والعلم والأسرة والسياسة والاقتصاد وغيرها من الموضوعات.
كما يقوم على دراسة الشبهات فيما يتعلق بالمرأة وعملها، والرق، والوحي، والنبوة... الخ.
ويقوم أيضًا على دراسة التيارات الفكرية المعاصرة كالعلمانية والوجودية والماسونية والرأسمالية وغيرها من المذاهب والفرق الضالة.
وعلى هذا المعنى تكون الثقافة الإسلامية علمًا مستقلاً مميزًا عن غيره من العلوم الإسلامية الأخرى، كالتفسير والحديث والفقه، وهو علم جديد له موضوعاته الخاصة وأسلوبها الخاص وكتابه الخصوصيون، جاء ميلاده وظهوره على إثر التحديات المعاصرة للإسلام والمسلمين[11].
وتستطيع الثقافة الإسلامية بهذا المعنى أن تلعب دور التوجيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والصحي والعلمي والديني، لبناء القومية الإسلامية على غرار مقررات الثقافة القومية عند الأمم الأخرى.
وهذا هو التعريف المعتمد تدريسه في المرحلة الجامعية في جامعاتنا من وجهة نظري، وهذا واضح في كتاب مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية للدكتور عبدالرحمن الزنيدي ص(2-3)، حيث قال في تعريف الثقافة الإسلامية بأنها: (علم كليات الإسلام في نظم الحياة كلها بترابطها) وهو أستاذ الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة بالرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وكذلك واضح في مقدمات الثقافة الإسلامية للدكتور مفرح بن سليمان الجوس الأستاذ المساعد بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة جامعة الإمام ص:29، حيث قال معلقًا على تعريف الزنيدي السالف الذكر، ولعل هذا التعريف الأخير هو أفضل تلك التعريفات وأقربها إلى الصواب لاشتماله على موضوعات الثقافة الإسلامية الرئيس، ولأنه تعريف كلي وليس تعريفًا جزئيًا.
ووضح في كتاب دراسات في الثقافة الإسلامية تعريف الدكتور محمد عبدالسلام محمد وآخرين) ص:13.
كما أن هذا الاتجاه معمول به في كثير إن لم يكن في كل الجامعات في العالم الإسلامي. أما الثقافة الإسلامية التي تدرس في وزارة التربية والتعليم فهي تتولى مهام الثقافة الإسلامية بمعناها العام من خلال مناهجها العامة - وهناك بعض الجامعات والمعاهد العليا تمزج بين التعريفين الثاني والثالث-.
ثالثًا: منهج البحث في علم الثقافة الإسلامية:
من أبرز القواعد المنهجية لعلم الثقافة الإسلامية ما يلي:
1- الكلية: فالثقافة الإسلامية تبحث في الإسلام بصفته كلاً مترابطًا ووحدة متكاملة وتؤكد التداخل بين نظمه من أجل أن يعطي هذا العلم آخذه تصورًا متكاملاً عن الإسلام في جوانبه المختلفة العقدية والعبادية والجانب التعليمي والخلقي والعائلي والاقتصادي والسياسي ومفاهيمه العامة كالحرية والتسامح وغيرهما[12].
2 - المقارنة: وهي من دعائم هذا المنهج لأن هذا العصر هو عصر الصراع بين المذاهب والأفكار لاسيما بين الإسلام والثقافة الغربية بفرعيها الديمقراطي والاشتراكي الاجتماعي، والمنهج المقارن يركز على تيارات الفكر المعاصر وقضاياه إلا أنه لا يغفل بحال من الأحوال التيارات والمذاهب الفكرية الغابرة المتجددة
3 - التأصيل: فمع أن علم الثقافة الإسلامية علم مقارنة إلا أن منهج هذه المقارنة تابع لمنهج التأصيل، والتأصيل بهذا المقام بحث النظم الإسلامية من خلال الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ومنهم علماء الإسلام المعتبرون.
4 - النقد: علم الثقافة الإسلامية ليس علم مقارنة وتأصيل فحسب بل هو علم نقد في الوقت نفسه فهو ينقد بموضوعية علمية المذاهب المعاصرة الاشتراكية والتطويرية والرأسمالية أو حتى تلك التي تحارب الإسلام ونظمه كالاستشراق والتنصير[13].
رابعًا: مصادر علم الثقافة الإسلامية:
مصادر الثقافة الإسلامية تنقسم إلى قسمين أصلية وفرعية:
1- المصادر الأصلية:
أ ) القرآن الكريم: فالقرآن هو المصدر الأول للثقافة الإسلامية فيه خبر من قبلنا ونبأ من بعدنا وفضل ما بيننا، وهو سجل الكون الإلهي ونظام الحياة العالمية، وقد اشتمل على أحكام ثابتة كالعقيدة والأخلاق والآداب وجميع ما نص عليه بنصوص قطعية الثبوت والدلالة وأخرى متغيرة لكن كلها قواعد وأصول كلية وصدق الله إذ يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[14] وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[15].
ب ) السنة المطهرة وهي المصدر الثاني للتشريع وهي التي جاءت مفسرة وموضحة ومؤكدة ومفصلة ومخصصة لمجمل وعلوم القرآن الكريم.
2- المصادر الفرعية فكثيرة منها الإجماع والقياس والاستحسان والمصلحة المرسلة وغيرها بشرط ألا تخالف نصً في كتاب أو سنة أو أصلا مجمع عليه من علماء الأمة الإسلامية وتشمل أيضًا التراث الإسلامي وكل ما ورثناه عن السلف الصالح من علوم ومعارف وأفكار واجتهادات في شتى المجالات المختلفة وتشمل أيضًا الخبرات الإنسانية النافعة مع أن الإسلام يؤكد على الاستقلال والتميز لكنه يكره العزلة عن الناس والحياة والمسلم كائن اجتماعي وإنساني وعلى هذا فالخبرات الإنسانية النافعة خليق بأن تكون مصدرًا إضافيًا للثقافة الإسلامية، على أن تكون من أمور الدنيا التي لا تتعارض مع نصوص القرآن والسنة والقواعد والكليات المتفق عليها في الشريعة الإسلامية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بشؤون دنياكم)) أخرجه مسلم[16](16).
خامسًا: قضايا علم الثقافة الإسلامية وأثرها في الحياة المعاصرة:
أهم القضايا التي تبحثها الثقافة الإسلامية هي:
أولاً: نظم الدين الإسلامي ومن أهمها ما يلي:
1- نظام العقيدة.
2- نظام العبادة.
3- نظام الدعوة والاحتساب.
4- النظام التعليمي.
5- النظام الخلقي.
6- النظام العائلي.
7- النظام الاقتصادي.
8- النظام السياسي.
وهذه النظم يبحثها علم الثقافة من حيث مصدرها، وأسسها، وخصائصها وأهدافها وآثارها ومسائلها الكبرى وأما التفصيلات فشأن المتخصصين في هذه النظم.
ثانيًا: المفاهيم المتعلقة بالنظام الإسلامي ومنهجه:
مثل: الحرية، والتسامح الديني، والعلم، والتجديد في مجال الدين، وحقوق الإنسان المدنية وغيرها فهذه المفاهيم يسعى علم الثقافة إلى تأصيلها على أساس من المنهجية الإسلامية المعتمدة على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، ودفع المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالموضوعات السالفة الذكر.
ثالثًا: القوى المعادية للإسلام وأهله:
ومن أهمها الاستشراق والتنصير والماسونية والصهيونية، حيث يبحث علم الثقافة الإسلامية شبهات هذه القوى والرد عليها وبيان ضررها على الإسلام والمسلمين.
رابعًا: المذاهب والنظريات الحديثة:
ومن أهمها الرأسمالية الاشتراكية وأما النظريات فأهمها العلمانية والتطويرية والوجودية والفرويدية، حيث يسعى علم الثقافة الإسلامية إلى بيان ما يتفق من تلك المذاهب مع الإسلام وما يختلف معه كما يسعى إلى نقد مبادئها الفاسدة وإثبات إخفاقها في إسعاد البشرية ونجاح الإسلام ومبادئه.
وأما أثرها في الحياة المعاصرة فلا شك أنه أثر كبير جدًا حيث كان المسلمون في العصور المتأخرة قد حصر بعضهم الإسلام في قضايا العقيدة والعبادة والحدود وانزوى المسلمون عن ممارسة الحياة العامة في ضوء الإسلام فجاءت الثقافة الإسلامية في ثوبها الجديد لتوضيح أن الإسلام نظام شامل وكامل للحياة وأن العبادة في الإسلام كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. كما تم تبيين مفاهيم الحرية والديموقراطية والمدنية وغيرها من المفاهيم بما يتفق ومبادئ الدين الإسلامي.
كما ناقشت الثقافة الإسلامية المذاهب المعاصرة وناقشت شبهها ومناهجها نقاشًا علميًا هادئًا ومن هنا نشأت ثقافة إسلامية متميزة واستطاع الكتَّاب الإسلاميون أن يصنعوا الشخصية الإسلامية المتميزة التي تسعى إلى بناء حضارة وثقافة إسلامية خاصة مع الاستفادة من النظريات الأخرى بما لا يتعارض مع عقيدتنا الإسلامية الصافية[17].
وأدى إلى تصنيف الثقافة الإسلامية في المجال العقدي دراسة تأصيلية لقضايا الجهاد وشروطه وضوابطه حيث كثر الخلط في هذه النقطة عند كثير من شبابنا المعاصرين وكذلك الولاء والبراء وفي المجالات العامة التركيز على قضايا حقوق الإنسان بمفهومها الإسلامي وتطبيقاتها في أنظمتنا المعاصرة والتركيز على بيان حقوق غير المسلمين من المواطنين وغيرهم والتحدث عن المواطنة وبيان منهج الفكر الإسلامي فيها وأنها في محصلتها لا تتعارض مع أصول وقواعد الشريعة الإسلامية، وكذلك الحديث عن قضايا الإرهاب وموقوف الإسلام منها والشبهات التي تثار في هذا الجانب والحديث عن مفهوم الأمن في الإسلام ومبادئه وركائزه.
وقد قامت كلية الملك فهد الأمنية بمناقشة هذه القضايا في منهج الثقافة الإسلامية الجديد وكذلك منهج مادة حقوق الإنسان.
خامساً: الضرورة المعاصرة لتأصيل علم الثقافة الإسلامية كتخصص من برنامج الدراسات العليا:
بما أننا قد توصلنا إلى أن الثقافة الإسلامية علم جديد ومعاصر وأنه أصبح مستقلاً عن غيره من العلوم الإسلامية له موضوعاته الخاصة وأسلوبه الخاص وكتابه الخصوصيون فإن بقاءه وتطوره مرهون بتخريج أجيال تقوم بتأصيله وتطويره وتدريسه في جميع المراحل وخاصة المراحل الجامعية، فقد دأبت بعض الجامعات الإسلامية كجامعة الأزهر، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة إلى جعل الثقافة الإسلامية قسمًا متخصصًا ولكن مع الدعوة فسمته قسم الدعوة والثقافة الإسلامية ومنحت جامعة الأزهر رسائل الماجستير والدكتوراه في الثقافة الإسلامية، وأما جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فقد أنشأت قسمًا خاصًا سمته قسم الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة وكان يمنح رسائل الماجستير والدكتوراه في مجال الثقافة الإسلامية ولكنها أوقفت الدراسات العليا في هذا التخصص ولا ندري ما السبب. ولكن بقاءه مغلقًا يمثل تراجعًا كبيرًا لهذه الجامعة العظيمة ولكن بعض التيارات الفكرية التي تدعي السلفية كان لها دور في هذا الأمر.
وإني لأرجو من جميع الجامعات الإسلامية أن تحرص على الدراسات العليا في مجال الثقافة الإسلامية حتى نخرج المفكرين الإسلاميين الذين يتصدون للقضايا المعاصرة في مجالات الفكر والمذاهب الفكرية المعاصرة.
وإني لأرجو أن تكون جامعة الملك فيصل بالأحساء سباقة إلى هذا الأمر والله أسأل للجميع التوفيق والسداد.
الخاتـمة:
توصلت في هذه الورقة المختصرة إلى نتائج من أهمها:
1- أن علم الثقافة الإسلامية علم جديد نشأ في القرن العشرين نتيجة الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين.
2- اختلف الباحثون المعاصرون في تعريف الثقافة الإسلامية لكن رجحت أن تعريف الثقافة الإسلامية هو: ((معرفة التحديات المعاصرة المتعلقة بمقومات الأمة الإسلامية ومقومات الدين الإسلامية بصوره مقنعة وموجهة)) وبهذا التعريف تكون الثقافة الإسلامية علمًا مستقلاً.
3- تبحث الثقافة الإسلامية الإسلام بصفته كلاً مترابطًا ووحدة متكاملة وأن الثقافة الإسلامية تؤصل وتنقد، تؤصل الإسلام من خلال نظمه الإسلامية لتنتقد المناهج المعاصرة نقدًا علميًا.
4- الثقافة الإسلامية لها مصادر أصلية هي القرآن والسنة وفرعية هي المصادر التشريعية الأخرى والتراث الإسلامي والخبرات الإنسان التي لا تتعارض مع الدين الإسلامي.
5- تناقش الثقافة الإسلامية نظم الدين الإسلامي والمفاهيم العامة مثل الحرية والتسامح الديني والعلم والقوى المعادية للإسلام والمذاهب والنظريات الحديثة.
6- أن الضرورة تقتضي تأصيل علم الثقافة الإسلامية كتخصص دقيق في الدراسات العليا لتخريج معلمي الثقافة الإسلامية في الدراسات العليا والجامعية وتخريج المتخصصين والمفكرين الإسلاميين في هذا المجال.
ـــــــــــــــــــــ
[1] معالم الثقافة الإسلامية، تأليف عبدالكريم عثمان، ط3، الرياض، مؤسسة الأنوار، 1399هـ-1979م، ص(3).
[2] سورة القصص، الآية (77).
[3] انظر: معالم الثقافة الإسلامية، ص(7-8).
[4] سورة الحج، الآية (77).
[5] سورة الأعراف، الآية (29).
[6] سورة آل عمران، الآية (104).
[7] سورة الحديد، الآية (25).
[8] راجع مقدمات في الثقافة الإسلامية لمفرح بن سليمان القوس، ط2، دار الغيث للنشر، الرياض، 1418هـ-1998م، ص(30)، وراجع مدخل إلى الثقافة الإسلامية لعبدالرحمن الزنيدي، ص(2-3).
[9] مقدمات في الثقافة الإسلامية، ص(31).
[10] راجع دراسات في الثقافة الإسلامية، تأليف محمد عبدالسلام محمد وآخرون، ط5، الكويت، مكتبة الفلاح، 1408هـ-1987م، ص(12-13).
[11] راجع فيما مضى دراسات في الثقافة الإسلامية، ص(11-13)، ومقدمات في الثقافة الإسلامية، ص(27-29)، ومدخل إلى الثقافة الإسلامية، تأليف سعود بن سلمان آل سعود ونعمان السامرائي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1419هـ-1998م، ص(29)، ونظرات في الثقافة الإسلامية، تأليف محفوظ على عزام، الرياض، دار اللواء، 1404هـ-1984م، ص(28-23)، وأضواء على الثقافة الإسلامية، لنادية شريف العمري، ط7، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1477هـ-1997، ص(17).
[12] راجع: مقدمات في الثقافة الإسلامية ص(33-34)، وأضواء على الثقافة الإسلامية ص(49-50)، ودراسات في الثقافة الإسلامية ص(12).
[13] راجع: مقدمات في الثقافة الإسلامية ص(35-35)، ودراسات في الثقافة الإسلامية ص(12، 13).
[14] سورة الأنعام، الآية (38).
[15] سورة الإسراء، الآية (9).
[16] راجع فيما سبق دراسات الثقافة الإسلامية ص(26 حتى 28)، ومدخل إلى الثقافة الإسلامية ص(47)، ومقدمات في الثقافة الإسلامية ص(35-36)، ونظرات في الثقافة ألإسلامية ص(33).
[17] راجع: مقدمات في الثقافة الإسلامية ص(32-33)، ونظرات في الثقافة الإسلامية ص(31-32)، ودراسات في الثقافة الإسلامية ص(24-25).

الأهداف الإيمانية لمقررات الثقافة الإسلامية


الأهداف الإيمانية لمقررات الثقافة الإسلامية
د. جمعة بن خالد بن عضيب
الأهداف الإيمانية لمقررات الثقافة الإسلامية
في كلية الملك خالد العسكرية
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين.
أما بعدُ:
فهذا بحث بعنوان: الأهداف الإيمانية لمقررات الثقافة الإسلامية، بكلية الملك خالد العسكرية.
وتنبع أهمية هذا البحث من كَوْن الفائدة المرجوَّة ستستفيد منها - بإذن الله - قطاعات تعليمية أخرى؛ لما لمُقررات الثقافة الإسلامية من حَيِّز كبير في سائر المرافق التعليمية الجامعية في المملكة العربية السعودية، وللتَّشابُه الكبير بين مُفردات هذه المادة في مُعْظم المرافق التعليمية المدنية والعسكرية.
لذا رغبتُ في تقديم هذا البحث؛ للمساهمة في إبراز الجوانب المُضيئة والنيِّرة في نظامنا التعليمي، خصوصًا في ظل ما يتعرض له من هجمات مستمرة، ووصفه بأنه نظام تعليمي يروج للأفكار المتشددة.
والمتصفح لهذا البحث يجد أن مناهجنا تعتمد على سماحة الإسلام، وتدعو إلى البناء الروحي والفكري والمادي، في آن واحد.
وهذه المناهج مبنية على أُسُس بعيدة كل البعد عن الأهواء والرغبات، وإنما تحكم بنصوص الشرع المطهر.
ويتكون هذا البحث من مقدمة، وتمهيد، وثلاث مباحث:
المبحث الأول: الأهداف الإيمانية لمقررات الثقافة الإسلامية الجزء الأول، "العقيدة ".
المبحث الثاني: الأهداف الإيمانية لمقررات الثقافة الإسلامية الجزء الثاني، "النظم الإسلامية". المبحث الثالث: الأهداف الإيمانية لمقررات الثقافة الإسلامية الجزء الثالث والجامعيين، "فقه الجهاد، والمذاهب والفرق".
وخاتمة، وفهارس البحث.
هذا وتتكون مُقررات الثقافة الإسلامية، المعتمد تدريسها بكلية الملك خالد العسكرية، من أربع مقرَّرَات:
المقرر الأول: محاضرات في الثقافة الإسلامية، الجزء الأول:
يُدَرَّس هذا الجزء لطُلاب الكلية في المستوى الأول الفصل الأول، ويقع في خمس وسبعين صفحة.
وهو أهمُّ مُقرَّرات الثقافة الإسلامية، التي تهدُف إلى غَرْس الأهداف الإيمانية في نفوس الطلاب؛ لما يَحْوِيهِ مِن مُفْرَداتٍ تَتَّصِل اتصالاً مباشرًا بغَرْس العقيدة الصحيحة.
ومن أبرز موضوعات هذا المقرَّر:
1- تعريف الثقافة الإسلامية[1].
2- الفَرْق بين الثقافة الإسلامية، وغيرها من الثقافات[2].
3- خصائص الثقافة الإسلامية[3].
4- أهمية دِرَاسة الثقافة الإسلامية[4].
5- مصادر الثقافة الإسلامية[5].
6- العقيدة[6].
7- مصدر العقيدة الإسلامية[7].
8- مزايا العقيدة الإسلامية[8].
9- أهمية العقيدة الإسلامية[9].
10- أصول العقيدة الإسلامية[10].
11- التَّصَوُّراتُ الأساسيَّة في الإسلام لِلأُلوهيَّة، والكون، والإنسان[11].
12- الشريعة والفقه[12].
13- أقسام الأحكام الشرعية[13].
14- مصادر الشريعة الإسلامية[14].
15- السُّنَّة[15].
16- مكانة السنة في التشريع[16].
17- أقسام السنة[17].
18- خصائص الشريعة الإسلامية[18].
19- مقارنة بين الشريعة الإلهية، والقوانين الوضعية[19].
المقرر الثاني: محاضرات في الثقافة الإسلامية، الجزء الثاني.
يُدرّس هذا الجزء في المستوى الأول الفصل الثاني، ويقع في 87 صفحة.
المقرر الثالث: محاضرات في الثقافة الإسلامية، الجزء الثالث.
يُدرَّس هذا الجزء لطلاب الكلية في المستوى الثالث الفصل الثاني، ويقع في جزأين:
الجزء الأول: الجهاد في سبيل الله، ويتكوَّنُ مِنْ 76 صفحة.
والجزء الثاني: المذاهب والفِرَق، مُكَون من 55صفحة.
المقرر الرابع: محاضرات في الثقافة الإسلامية، دورة الضباط الجامعيين:
يدرَّس هذا الجزء لطلاب الكلية الجامعيين من مختلف التخصصات، ويقع في 46 صفحة.

التمهيـد
الأهداف الإيمانية لمقررات الثقافة الإسلامية في كلية الملك خالد العسكرية

تظهر الأهدافُ الإيمانيةُ لمُقرَّرات الثقافة الإسلامية، في كلية الملك خالد العسكرية، واضِحَةً جليَّةً في كلِّ مُقرَّر[20]، ونظرًا لطبيعة الكلية التعليمية، المُتمثِّلَة في تخريج ضُبَّاط يَعْمَلون في مختلِف قِطاعات الحَرَس الوطنيِّ؛ فَقَدْ صِيغَتْ تلك المقرَّراتُ؛ لتُلبِّي هذه الحاجة:فقد جاء في مقدِّمة: "مقرَّر الثقافة الإسلامية" الجزء الأول، ما يلي: " فإن للثقافة الإسلامية في مجتمعنا دَوْرًا لا غِنَى عنه؛ فأُمَّتُنا الإسلاميةُ مُسْتَهْدَفة، وهي عُرْضة لتياراتٍ كثيرة مُنْحَرِفةٍ، غايتُها تمزيق الوَحْدة وتشتيت الكلمة، وليس بخافٍ أن قطاعات عريضة من منسوبي هذه الأُمة قد باتت أَحْوَجَ ما تَكُونُ إلى الوقوف على حَقائِقِ دِينِها القويم، بعد أَنْ راجَتْ بَيْنَهَا مُؤَخَّرًا جُملةُ أفْكارٍ ومذاهبَ هَدَّامة.. ومن هُنا كان حجم التَّبِعَةِ المُلْقاة على عاتق المُصلحينَ وقادة الفِكْر الإسلاميِّينَ كبيرًا"[21].
والهدف من تدريس هذه المادة لطُلاب كلية الملك خالد العسكرية "إسهامًا من الحرس الوطنيّ... في تحقيق هذا الغرض الأَسْمَى؛ فقد تَقَرَّر تدريس مادة "الثقافة الإسلامية" على طُلاب كلية الملك خالد العسكرية، فاجتمعت لضباط الغد؛ خَصلتان أو ميزتان: علوم عسكرية مُطوَّرَة، وفِكْر إسلامي مُستنير"[22] .
فالهدف الأول من أهداف تدريس مقرَّرات الثقافة الإسلامية، في كلية الملك خالد العسكرية: تزويدُ الطالب العسكري بفِكْر إسلامي مستنير، وإعدادُ الطالب ليكون ضابطًا في وَحَدَات الحَرَس الوطنيّ؛ يعمل على هُدًى وبصيرةٍ، وَفْقَ نصوص الشريعة، ومُدْركًا للأخطار التي تُهَدِّد أُمَّتَهُ؛ ولتحقيق هذا الهدف السامي، صِيغت مفردات مقرَّرات الثقافة الإسلامية، بحيث يكون لكل موضوع هدفٌ إيماني مُحَدَّدٌ؛ لتُشَكِّلَ في النهاية الهدفَ الرَّئِيس، وتتحقَّق الثمرة المَرْجُوَّة من هذه المُقرَّرات.
المبحث الأول: الأهداف الإيمانية لمُقرَّر الثقافة الإسلامية الجزء الأول: "العقيدة ".
المطلب الأول: الهدف الإيماني من تعريف الثقافة الإسلامية، والفرق بينها وبين الثقافات الأخرى.
قارَنَ المُقَرَّر[23] بين تعريف الثقافة عند الرومان، وفي عصر النهضة الأوربية من جهة، وبين تعريف الثقافة عند الأُمَّة الإسلامية.
فالرومان استعملوا كلمة الثقافة؛ للدَّلالة على العلوم الإنسانية، التي تستقِلُّ بها كل أُمة عن غيرها من الأُمم؛ كما استُعْمِلَتْ للدَّلالة على الفنون غيرِ العملية، وفي عصر النهضة الأوربية أصبح اللفظ يدلُّ على الآداب والفنون[24].
أما دلالة اللَّفْظِ عند الأُمَّة الإسلاميَّة فَيَقُوم على "الركائز الأساسية للثقافة الإسلامية، ومن مُقَوِّماتها الممَيِّزَةِ، وأهدافِها الواضحةِ المحدَّدة"[25].
ومِنْ هُنَا فَهِيَ: "الشَّخْصِيَّة الإسلاميَّة الَّتِي تَقُومُ على عقيدة التوحيد، وعلى تطبيق الشريعة الإسلامية والأخلاق الإيمانية المُسْتقاة من مصادر الإسلام الأساسية؛ وهى الكتاب والسُّنة" [26].
فالهدف الإيمانيُّ من هذا التعريف: غَرْس روح الانتماء في نفوس الطلاب للثقافة الإسلامية، والاعتزاز بالقِيَم السامية للأُمَّة، والتأكيد على أنَّ الثقافة الإسلاميَّة جُزْء من عقيدة المسلم، وستبقى إلى أن تقوم الساعة.
ويَظْهَرُ هذا الهدفُ بِوُضُوح في المقارنة بين الثقافة الإسلامية، وغيرها من الثقافات، والتشديد على أنَّ الثقافة الإسلامية تختلف عن الثقافات الأخرى: "من حيث مصادِرُها ومقوِّماتها وخصائصُها وأهدافُها؛ حيث تعتمد الثقافة الإسلامية على الإسلام؛ الدينِ الكامل الشامل لجميع نواحي الحياة، بِخِلاف الثقافات الأُخْرى التي تعتمد على الفِكْر الفلسفيّ اليونانيّ والقانون الرومانيّ، وعلى النصرانيَّة المُحَرَّفة، أو الفلسفة الوَضْعِيَّة؛ وبهذا تظل الثقافة الإسلامية نقية لا تشوبها شوائب، أو مؤثرات خارجية، وسوف تبقى إلى أن تقوم الساعة؛ لأن الإسلام هو آخِر الأديان، وفي بقائه وخلوده استمرارٌ للثقافة الإسلامية"[27].
المطلب الثاني: الهدف الإيماني من خصائص الثقافة الإسلامية[28].
للثقافة الإسلامية خصائصُ مميِّزَةٌ تَنْفَرِد بها عن سائر الثقافات، وتجعلها ذاتَ شخصية مُستقلِّة، وصفةٍ منفردة، وطبيعة خاصة؛ ومن الصفات التي وردت في المقرَّرات:
1- ربَّانِيَّة المصدر:
فالثقافة الإسلامية تعتمد على الكتاب الكريم، والسُّنَّة والنبوية المُطهَّرَة الصحيحة، وهي محصورة في هذا المصدر، ومِنْ ثَمَّ فهي تتَّسِم بالخُلود، والصدق، والصِّحَّة[29].
2- الثبات: والمُرَاد ثبات المصدر الأول للثقافة الإسلامية، واستقرار الحقائق الإيمانية[30].
3- الشمول والتوازُن:
المُراد بِالشُّمول: أن الثقافة الإسلامية جاءَتْ لجميع شؤون الحياة، ولسعادة الدنيا والآخرة، وأنها شَمِلَتْ في تصوُّراتِها الكون والإنسان والحياة، ونظرت إلى الإنسان باعتباره كُلاًّ لا يَتَجَزَّأُ، ومما يؤكد ذلك أن آياتِ القرآن الكريم ربطت بين الإيمان والعمل، وبين الدنيا والآخرة.
وأما التَّوازُن: فيعني أن الثقافة الإسلامية أقامت توازُنًا رائعًا بين مطالب الدنيا والآخرة[31].
قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [القصص: 77].
4- الإيجابية: المراد بذاك أن الثقافة الإسلامية ثقافة مِعْطَاءة ذاتُ آثارٍ طيِّبةٍ، وهي مصدرٌ لكل خير، فهي تُقدِّم الحلول لكل ما يصادف المسلم من مشكلات[32].
5- العموم والعالمية: تمتاز الثقافة الإسلامية بالعُموم؛ فهي عامَّة لجميع الناس، دون تمييز أو تفريق بينهم؛ فكرامة الإنسان في ظلها بمقدار تقواه الله سبحانه وتعالى، وهي رسالة غير منحصرة في زمان أو مكان، أو خاصة بأُمَّة معينة، وإنما هي لكل الناس[33].
6- الواقعية المثالية: جاءت تعاليم الإسلام؛ لتكون هُدى ورحمة، ومن الرحمة أن تكون ممكِنَةَ التطبيق؛ فهي مثالية واقعية، وليست مثالية خيالية تنأى بالإنسان عن الواقع، وتضع له ما لا يستطيع إدراكه؛ بل إنها مثالية في حدود طاقة الإنسان، قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].
تبرز الأهداف الإيمانية بوضوح في هذا المبحث، ولعل من أهمها ما يلي:
1- تنبيه الطالب إلى أن الثقافة الإسلامية مُرْتَبِطَة ارتباطًا وثيقًا بالكتاب الكريم، والسُّنة النبوية الشريفة، وبالتالي يشعر بالطمأنينة والسعادة؛ لأن هذه الثقافة قادرة على تحقيق حاجاته، لثِقَتِه بصحة مصدرها، وأنها تُقدِّم أشمل منهج للحياة[34].
2- أنَّ الثقافة الإسلامية، ليست مجرد اجتهادات بشرية، أو تصورات عقلية، تعتريها الأخطاء والنواقص.
3- أنَّ الثقافة الإسلامية، محفوظة من التحريف والتبديل، وإنها ستبقى إلى قيام الساعة، لثباتها.
4- ضَبْط الفِكْر الإنساني فلا يتأرجح مع الشهوات والأهواء[35].
5- إشعار الطالب أن الثقافة الإسلامية، ثقافة إيجابية ومعطاءة، ذات آثار طيبة.
6- عالمية الثقافة الإسلامية، تُلقِي دورًا كبيرًا على أفراد الأمة، للقيام بواجباتهم الإيمانية في شَتَّى أنحاء المعمورة.
7- واقعية الثقافة الإسلامية، ومُوافقتها للفِطْرة الإنسانية، في بيان المسائل الإيمانية الكبرى.
المطلب الثالث: الأهداف الإيمانية لمصادر الثقافة الإسلامية[36]:
تتكون مصادر الثقافة الإسلامية من:
1- القرآن الكريم.
2- السنة النبوية.
3- الفقه الإسلامي.
4- السيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي.
بعد ذِكْر هذه المصادر، رَكَّز المنهج على إبراز دور الثقافة الإسلامية في غَرْس العقيدة الإسلامية الصحيحة[37].
فبدأ بتعريف العقيدة الإسلامية:
ذاكراً أنها:"ما يدين به الإنسان لربه"[38]ومُوضِّحًا أن العقيدة الإسلامية: "مجموعة من الأمور الدينيَّة التي يجب على المسلم أن يصدق بها، وتطمئن إليها نفسه، وتكون يقينًا لا يُمَازِجه فيها شكٌّ، ولا يُخَالِطُهُ رَيْبٌ"[39].
ثُمَّ بَيَّنَ مَصْدَرَ العقيدَةِ الإسلاميَّة، وأنَّها من الأمور التوقيفيَّة التي لا يجوز الاجتهاد فيها، ومصدرها هو القرآن الكريم، والسنة النبويَّة المُطهَّرة[40].
وأضاف إلى ذلك بيان مزايا العقيدة الإسلامية، مبيّنًا أَهَمَّها:
1- أنَّ أُصُولَها سلِمَتْ منَ التحريف.
2- أنها واضحة مُيَسَّرة.
3- أنَّها فِطْرِيَّة.
4- أنها عقيدةٌ ثابِتة.
5- أنها عقيدة مبرهنة.
6- أنَّها عقيدةٌ وَسَط[41].
المطلب الرابع: الأهداف الإيمانية للأُصول التي تقوم عليها العقيدة الإسلامية:
يُعَدّ هذا البحث أهم المباحث التي تظهر أهدافها الإيمانية واضحة جَلِيَّة؛ لكونه يعتمد على إيراد أصول الإيمان الستة.
الأصل الأول: الإيمان بالله تعالى.
الأصل الثاني: الإيمان بالملائكة.
الأصل الثالث: الإيمان بالكُتُب المنزَّلة من الله.
الأصل الرابع: الإيمان برسل الله تعالى عليهم أفضل الصلاة والسلام.
الأصل الخامس: الإيمان باليوم الآخر.
الأصل السادس: الإيمان بالقَدَر خيرِهِ وشَرِّهِ [42].
فَالأَهْدافُ الإِيمانِيَّة لِهَذِه الأصول غايةٌ في الوضوح؛ بل إنَّ هَذِهِ الأصول هي جِمَاع الأهدافِ الإيمانيَّة كلها.
فَمِنَ الإيمان بالله تعالى والإقرار بوجوده وبوحدانيته، وأُلُوهِيَّتِهِ ورُبُوبِيَّتِهِ وأسمائه وصفاته، وأنَّه متفرِّد بِصِفات الكمال، وأنَّهُ المُستحِقّ وحْدَهُ أن يُفْرَد بالعبادة، ومن آثار الإيمان بالله سبحانه وتعالى:
1- الإيمان بالله والإقرار بوجوده، يؤدي إلى محبته سبحانه والتقرُّب منه.
2- الإيمان بالله سبحانه ينشِئ في الإنسان العِزَّة والتواضع.
3- في الإيمان بالله تعالى ثَباتٌ، واستقرارٌ للنفس على طاعته، وعبادته وحده، والاستقامة على الطاعة تقتضي الصبر.
4- الإيمان بالله يؤدي إلى الثبات والشجاعة والتوكُّل.
5- الإيمان بالله يؤدِّي إلى التَّضْحِيَة بِالنَّفس في سبيله، ونصرة لدينة[43]. وإلى الإيمان بملائكته والإقرار بوجودهم وأنهم عِبَاد الله المُكْرَمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، ونؤمن بأن لهم أعمالاً كلفوا بها.
ومن الأهداف الإيمانية للإيمان بالملائكة:
1- الإيمان بالملائكة أحد أركان الإيمان، فلا إيمان دون الإقرار بهذا الرُّكن.
2- العلم بعظمة الله سبحانه وتعالى وقُدْرَتِهِ.
3- شكره تعالى على عنايته بعباده؛ حيث وَكَّلَ بهم مِن هؤلاء الملائكة مَن يَقُوم بِحِفْظهم، وكتابة أعمالهم وغير ذلك.
4- محبة الملائكة على ما قاموا به من عبادة الله تعالى على الوَجْه الأَكْمَل، واستغفارهم للمؤمنين [44].
الأهدافُ الإيمانيَّة للإيمان بالكتب السماوية المنزلة:
1- الإيمان بالكُتُب السماوية أحَدُ أركان الإيمان، فلا إيمان دون الإقرار بهذا الركن.
2- العِلْم برحمة الله سبحانه وتعالى وعنايته بخلقه حيث أنزل لكل قوم كتابًا يَهْدِيهِم.
3- ظهور حِكمة الله تعالى؛ حَيْثُ شَرَعَ في هذه الكُتُب ما يناسب كلَّ أُمَّة، وكان خاتم هذه الكُتُب القرآنَ العظيمَ مناسِبًا لجميع الخَلْق، في كل عصر ومكان إلى يوم القيامة.
4- شُكْر نِعمة الله تعالى على ذلك[45].
الأهداف الإيمانية للإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام:
1- الإيمان بالرُّسل عليهم السلام أحد أركان الإيمان؛ فلا إيمان دون الإقرار بهذا الركن.
2- العلم برحمة الله سبحانه وتعالى وعنايته بخَلْقه؛ حيث أرسل إليهم الرُّسُل؛ للهداية والإرشاد.
3- شكر الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة العظيمة.
4- محبة الرسل، وتوقيرهم، والثناء عليهم بما يليق بهم فهم رسل الله سبحانه وتعالى، وخاصَّةُ عبيدِه، قاموا بعبادة الله، وبلغوا رسالته، ونصحوا لعباده، وصبروا على أذاهم[46].
الأهداف الإيمانية للإيمان باليوم الآخر:
1- الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان، فلا إيمان دون الإقرار بهذا الركن.
2- الحرص على طاعة الله سبحانه وتعالى رغبة في ثواب ذلك اليوم، والبُعد عن معصية الله تعالى؛ خَوْفًا من عقاب ذلك اليوم، فيراقب المؤمن ربَّه في أقواله وأفعاله؛ لتكون أعماله وأقواله حَسَنَةً حميدة مُوَافِقَة لدين الله.
3- تَسْلِية المؤمن عمَّا يَفُوتُه من نعيم الدنيا، ومتاعِها بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.
الأهداف الإيمانية للإيمان بالقَدَر:
1- الإيمان بالقَدَر أحد أركان الإيمان، فلا إيمان دون الإقرار بهذا الركن.
2- الاعتماد على الله تعالى عند فعل الأسباب؛ لأن السبب والمسبَّبَ كلاهما بقضاء الله وقدره.
3- راحة النفس وطمأنينة القلب؛ لأنه متى علم أن ذلك بقضاء تعالى وأنَّ المكروه كائن لا محالة -: ارتاحت النفس، واطمأن القلب، ورضي بقضاء الله، فلا أحدَ أَطْيَبُ عَيْشًا، وأَرْيَحُ نفسًا، وأقوى طمأنينة، ممن آمن بالقَدَر.
4- طَرْد الإعجاب بالنَّفْس عند حصول المُراد؛ لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قَدَّرَهُ من أسباب الخير والنجاح، فيشكر الله تعالى على ذلك ويَدَع هذه الخصلة.
5- طَرْد القلق والضَّجر عند فوات المراد، أو وقوع المكروه؛ لأن ذلك بقضاء الله وقَدَرِهِ.
المطلب الخامِسُ: الأَهْدافُ الإِيمانيَّة للتصورات الأساسية في الإسلام للألوهية والكون والإنسان[47]:
لا يقف الإسلام في نظرته إلى الوجود عند حدود عالَم الشهادة، والحِسِّ، ونِطاقِ الكون المشاهَد، كما يقف المادِّيُّون، فكان للتصوِّرات التي جاء بها أثرٌ بالغ في توحيد الأُمَّة وسُلوكِها؛ فقد كان العرب قبل الإسلام أُمَّة مُتناحِرة، تَسُودُها عقائِدُ باطِلَةٌ؛ فقضى الإسلام على الشِّرْك وعلى العادات الخبيثة، وعلى الجَهْل، وأَعْطَى النَّاسَ حُقُوقَهُم، وجاء بِتَصَوُّراتٍ تختلِفُ عن غَيْرِها، وَهِيَ تَصَوُّرات شامِلَة, ولا شَكَّ أنَّ معرِفَتَها ضروريَّةٌ لِكُلّ مسلم؛ حتَّى يُدْرِكَ طبيعة هذا الوجودِ وحقائِقَهُ الكُبْرَى، ومن أهم أهدافها الإيمانية:
1- إثبات هذا التصوُّر في وِجْدان الإنسان سيترتَّب عليه آثارٌ كبيرةٌ في تكوين شخصيته، وفي حياتِه كُلِّها، فَسَتَكُونُ حياتُه منسجِمَةً مُتَّسقة لا يدخلها الصراع؛ بسبب الاعتقاد بتعدُّد الآلِهة.
2- الطمأنينة في الحياة؛ لأنه يخضع للإله الحكيم الخبير العليم بما يصلح، أو يضر به.
3- إنَّ هذا التصور هو أتَمُّ تصوُّرٍ للألوهية؛ فقد جاء في أتمِّ معاني الوحدانية، وأبسطِ شَكْلٍ من أشكالها، والإسلام لا يرضى عن أيِّ نوع من أنواع التعدد، فهو دين التوحيد الخالص[48].
4- وجود الكون بأمر من الله ولِحِكمة يَعلَمُها، ولم يوجد مُصادَفةً، أو نتيجةَ تطوُّرات أو تغيُّرات طبيعية، وفيه رد على الإلحاديين.
5- لم يخلق هذا الكون عَبثًا، دون غاية، أو هدف؛ وإنما خلقه الله؛ ليُدَلِّل به على ذاته العَلِيَّة, وليكون مَيْدانًا للنشاط الإنساني يستخدم الإنسان فيه طاقاتِهِ وإمكانياتِهِ ويُسخِّره لِمَنْفَعَتِه، وهذه المنفعة تُؤَدِّي إلى تحقيق عبادة الله وحده وقيام شريعته في المجتمع البشري[49].
6- الإنسان في الإسلام قِمَّةُ الكائنات الحيَّة التي تعيش على الأرض، وهو خليفة الله فيها، قال تعالى: {كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70]. وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة:30 ].
7- خلق الله الإنسان في أحسن تقويم، وفيه رَدٌّ على القائلين بنظرية التطوُّر والارتقاء قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]، والمعنى أن الله خلق الإنسان في أحسن صورة وأعدلها[50].
8- الإنسان في تصوُّر الإسلام خيِّر بطَبْعِهِ وليس شِرِّيرًا، ولم يَرِثِ الخطيئة؛ كما هي دعوى النصارى[51].
9- وقَرَّر الإسلام مَسْؤُولية الإنسان عن نفسه؛ فلا يَحمل الابنُ وِزْر الأب، قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
10- قَرَّرَ الإسلام للإنسان حقوقًا شاملة كاملة على نحوٍ لا نجده في أيِّ دين، أو مذهب[52]
المبحث الثاني: الأهداف الإيمانية لمقرر الثقافة الإسلامية الجزء الثاني "النظم الإسلامية"[53]:
يتكوَّن الجزء الثاني من مقررات الثقافة الإسلامية، بكلية الملك خالد العسكرية، من عِدَّة موضوعات تُكَوِّن في مجموعها جُزْءًا مُهِمًّا منَ النُّظُم الإسلامية، التي تُغَطّي سائِرَ نواحي الحياة، ومِنْ أَهَمّ تِلْكَ النُّظُم ما يلي:
النظام الاجتماعي والأُسَرِيّ[54].
النظام السياسي[55].
النظام القضائي[56].
نظام الحسبة[57].
النظام الاقتصادي الإسلامي[58].
المطلب الأول: الأهداف الإيمانية للنظام الاجتماعي والأُسري:
المجتمع الإسلامي كِيان معنويّ وماديّ، يضم المسلمين الذين رضوا بالإسلام دينًا لهم عن طواعية واختيار منهم.
وهو مجتمع عقيدة، السلطان فيه لله وحده، وأما الحكام فهم منفذون لأوامره، مطبقون لشريعته.
وهو مُجْتَمَعٌ بشرِيٌّ صَنَعَتْهُ شريعةُ الله، وَهَدَفُه إعلاء كلمة الله في الأرض عن طريق ما تميَّز به من خصائِصَ ومُقَوّماتٍ إسلامية، ومن أهم الأهداف الإيمانية ما يلي:
1- أنَّ العَقِيدَةَ الإِسْلاميَّة هِيَ المُقَوِّم الأول للمجتمع الإسلامي، ومِمَّا لا ريب فيه أنَّ المجتمع الذي يتكوَّنُ من أفرادٍ رَسَخَتْ في نُفُوسِهِمْ عقيدةُ الإسلام، لا بد أن يكون مجتمعًا خَيِّرًا.
2- التربية النبوية للمُجْتَمع المسلم قامتْ على أساس العقيدة، فوُجِدَ المجتمع الفاضل، وكُوِّنَتْ أُمة إسلامية دانت لها الدنيا.
3- تكوين الأُسْرة المُسْلِمَة يعتمد على الأُسُسِ الدينية؛ ومِنْ أجل ذلك أكَّد الإسلام على بناء الأسرة القوية، وحَثَّ المسلمين على الزواج، ونهاهُم عن الرَّهْبانيَّة.
4- رفع الإسلام من مكانة المرأة، بعد ما كانت من سَقط المتاع.
5- رتب الأجرَ العظيمَ على رعاية الأسرة والاهتمام بها.
6- بَيَّن لجميع أفراد الأسرة المُسْلِمة ما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات[59].
المطلب الثاني: الأهداف الإيمانية للنظام السياسي في الإسلام[60].
الإسلام ليسدينًا فقط؛ وإنما هو دين ودولة، عقيدة وشريعة، وإيمان وحكم، والسياسة جزء مهم في دين الإسلام،والإسلام كلٌّ لا يتجزأ.
وأهم الأهداف الإيمانية للنظام السياسي في الإسلام ما يلي:
1- أنَّ الحاكمية لله رب العلمين، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: 57].
2- الطاعة من المحكومين واجب شرعي، في غير معصية قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59].
3- وأَوْجَب الإسلام على الإمام واجبات لابد من القيام بها منها: حماية العقيدة، وحفظ الدين، وإقامة الشرع، والعمل بالشورى، والعدل، والمساواة[61].
المطلب الثالث: الأهداف الإيمانية للنِّظام القضائي في الإسلام[62].
القضاء بين الخُصُوم من ضرورات الاجتماع، به تقود الدولةُ الناسَ تحت حكم الشريعة الإسلامية، والغَرَضُ مِنْهُ تَحْقِيقُ العدالة بَيْنَ المُتَنَازِعِينَ؛ ففيه إنصافٌ للمظلومينَ، ورَدْعٌ للظَّالمين، وحَسْمٌ للنِّزَاع الذي ينشأ بين الناس، ورَدٌّ الحقوق إلى أهلها.
وأَهَمّ الأهداف الإيمانية للنظام القضائي ما يلي:
1- أنَّ القضاء في الإسلام يقوم على أُسُسِ العقيدة الإسلامية الصحيحة، والشريعة المطهَّرة.
2- تحريم كُلِّ ما أُخِذَ بموجب الأحكام من الحقوق ظُلْمًا واحتيالاً.
3- النَّزَاهة المُطْلَقة.
4- التَّسليم والانقياد لما يستقر عليه الحكم.
5- حرّيَّة المتقاضينَ في الدفاع، دون تمييز، أو خوف، أو تعثُّر.
6- السلوك المثالِيُّ لِلْقُضاة خَوْفًا مِنَ اللَّه تعالى وتجنُّبًا لِلزَّجْرِ والعذاب في الآخرة[63].
المطلب الرابع:الأهداف الإيمانية للحِسْبَة في الإسلام[64]:
الحِسْبَةُ في الإسلام هي: أمر بالمعروف إذا ظهر تَرْكُهُ، ونهي عن المنكر إذا ظهر فعلُهُ،
ومن أهم الأهداف الإيمانية للحِسْبة:
1- إنكار المنكرات، وأعظم المنكر الشرك بالله.
2- والأمْرُ بِالمعروف يشمل كل عمل يفعل لله تعالى والمنكر كل ما حرمه الله.
3- والحِسبة سبب من أسباب خيرية هذه الأمة، والنجاة من العذاب[65].
المطلب الخامس: الأهداف الإيمانيَّة لِلنّظام الاقتصادي في الإسلام[66]:
الإسلام دينٌ يُنَظِّم علاقَةَ الفَرْدِ بخالقه؛ كما ينظم علاقات الفرد بالمجتمع، ومن أهم النُّظُم ذاتِ البُعد الإيمانيِّ في تنظيم علاقات المسلم بربه - جل وعلا - ومع غيره من المَخْلُوقين، النظامُ الاقتصاديُّ، ومن أهم الأهداف الإيمانية للنظام الاقتصاديِّ الإسلاميِّ:
1- أن المال لله، وما البشر إلا مُسْتخلَفون في هذا المال.
2- أنه يقوم على أساس العقيدة والشريعة الإسلامية.
3- مُجَارَاة الفِطْرة البشرية في إباحة حق التملُّك الفرديِّ.
4- شرع بعض العبادات المالية؛ كالزكاة والصدقات، والكَفَّارَات.
5- أسقط وجوب بعض العبادات عند عدم القدرة المالية؛ كالحج مَثَلاً.
6- لا ينظر إلى المعاملات المالية على أنَّها معاملاتٌ بين الناس بعضهم مع بعض؛ بل على أنها معاملات يُرَاد بها الأَجْر مِنَ الله.
7- مَنْعُ المُعاملات المُحَرَّمة؛ كالرِّبا، وأثمانِ الخُمور، والمخدِّرات، وسائرِ البُيُوع المُحَرَّمة[67].
المبحث الثالث: الأهداف الإيمانيَّة لمقرَّر الثقافة الإسلامية الجزء الثالث[68] "فقه الجهاد، والمذاهب والفرق":
المطلب الأول: الأهداف الإيمانية لفريضة الجهاد[69]:
الجهاد في سبيل الله من أعظم القُرَب، ومن أهم مقاصد الشريعة الضرورية للحفاظ على العقيدة الإسلامية، وقد شرع الله الجهاد؛ للحِفَاظ على إعلاء كلمة الله، وعلى هذا فليس الجهاد من الأمور التي يَسَعُ المسلمين تركُها؛ ولكنه من قواعد الدين وحَتْمِيَّاتِهِ، وأساس رِفْعَة المُسْلِمينَ وعِزَّتِهم.
ومن أهم الأهداف الإيمانية للجهاد في سبيل الله ما يلي:
1- شُرِعَ الجهاد للحفاظ على العقيدة، ولتكون كلمة الله هي العليا[70].
2- أنه فريضة شرعية.
3- لإخراج الناس من الظلمات إلى النور.
4- لحماية المسلمين من أن يُفْتَنوا في دينهم، أو تُسْتَباحَ حُرُمَاتُهم[71].
5- وليس المقصود من الجهاد إرغامَ الناس، وإجبارَهم على عقيدة الإسلام؛ فالعقيدة ليست محلاًّ للإكراه والإجبار[72]؛ لقوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]
6- إزالة بعض المفاهيم الخاطئة عن الجهاد.
المطلب الثاني: الأهداف الإيمانية لموضوعات الفرق والمذاهب[73]:
يشمل هذا المبحث عدة موضوعات، ومن أهمها:
1- الصِّهْيَوْنِيَّة: حركة سياسة عنصرية متطرِّفة، تَرمي إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين، تحكم من خلالها العالم كله[74].
2- الماسونيَّة: مُنَظَّمَة يهوديَّة سرّيَّة غامضة مُحْكَمَةُ التنظيم، تهدُف إلى ضمان سيطرة اليهود على العالم، وتدعو إلى الإلحاد والإباحيَّة والفَسَاد[75].
3- التنصير: حركة دينيَّة سياسيَّة استعماريَّة بدأت بالظهور، إِثْرَ فشل الحروب الصليبية؛ بُغْيَةَ نشر النصرانية بين الأمم المختلفة؛ بِهَدَفِ إحكام السيطرة على هذه الشعوب[76].
4- الاستشراق[77]: هو ذلك التيار الفِكْرِي، الذي تَمَثَّل في الدراسات المختلفة عنِ الشرق الإسلاميِّ، التي شَمِلَتْ حضارتَه وأديانَه وآدابَه ولغاتِه وثقافتَه، ولقد أسهم هذا التيار في صياغة التصوُّرات الغربية عن العالم الإسلامي، معبِّرًا عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري بينهما[78].
5- التغريب: تيار كبير ذو أبعاد سياسية واجتماعية وثقافية وحضارية، يرمي إلى صبغ حياة الأمم بعامَّة والمسلمين بخاصَّة بالأسلوب الغربي؛ بهدَفِ إِلْغاء شخصيتهم المستقلَّة وخصائصهم المتفردة، وجعلهم أَسْرَ التَّبَعِيَّة الكاملة للحضارة الغربية[79].
6- الرأسمالية: نظام اقتصاديّ ذو فلسفة اجتماعية وسياسية، يقوم على تنمية المِلْكِيَّة الفردية والمُحَافظة عليها، متوسّعًا في مفهوم الحرية[80].
7- العِلْمانية: اللادينية أو الدنيوية، وهي دعوة إلى إقامة الحياة على غير الدين[81].
يهدف تدريس هذه الموضوعات للطلاب إلى ما يلي:
1- تقوية إيمانهم، واعتزازهم بدينهم وبقِيَمِهِمُ الإسلامية السامية.
2- تزويدهم بالعلوم الدينية اللازمة؛ للرد على هذه الأفكار المنحرفة.
3- تحصينهم عَقَدِيًّا وفِكْرِيًّا منَ الانزلاق في مَتَاهات هذه الحركات، ودعواتها المنحرفة والمشبوهة.
4- إِطْلاعهم على انحرافات هذه الفِرَق والحركات، ومن يقف وراءها والأهداف من تبنِّيها.
5- بيان الأساليب والوسائل التي تستخدمها هذه المذاهب والحركات؛ لنشر مبادئها للتَّصدِّي لها.
الخاتـمة:
الثقافة الإسلامية أَحَدُ أَهَمِّ مُرْتَكَزَاتِ الأُمَّة الإسلامية؛ لما فيها من أهداف خَيِّرَةٍ تُسهِم في وعيِ الأُمة ورُقِيِّها، وتساعد على استعادة دورها الرياديّ لقيادة العالم من جديد.
ونستطيع أن نلخص أهم الأهداف التي تسعى الثقافة الإسلامية إلى تحقيقها:
1- إيجاد وعيٍ علميٍّ صحيح بحقيقة الإسلام، وسُمُوِّ مبادئه.
2- المُساهمة في تكوين المسلم القوي الصالح الذي يُعَمِّرُ هذا الكون، مؤمنًا بربه خاضعًا له، عاملاً على تكوين المجتمع الصالح الذي تتكاتَف قُواه كلها لإعلاء كلمة الله، وتطبيق شرعِهِ.
3- تنميةُ روح الولاء للأمة الإسلامية، والإلحاح على مكانتها، وأهمية رسالتها العظيمة للإنسانية.
4- تصحيح الأفكار الخاطئة التي أشاعها خصومُ الإسلام في نِسبة انحطاط المسلمين إلى تَمَسُّكِهِم بالإسلام، وبيان أن العكس صحيح.
5- المحافظة على ذاتية المسلم وهُوِيَّتِهِ، فِكرًا وسلوكًا.
6- تقديم الفِكر الإسلاميِّ الأصيل، وتجربة الأمة الإسلامية الرائدة للعالم بأسره.
7- محاربة الانحلال الثقافيّ والغزو الفكريّ، المتمَثِّل في نَشْر المذاهب الهَدَّامَة، والتصورات الباطلة.
علمًا بأن هذه الأهداف: يكادُ يجمع عليها كل مَن أَلَّفَ، أو بحث في موضوعات الثقافة الإسلامية.
المراجـع:
1- "القرآن الكريم".
2- "محاضرات في الثقافة الإسلامية"، كلية الملك خالد العسكرية، الجزء الأول، الثاني, الثالث، والجامعيين.
3- "نظرات في الثقافة الإسلامية"، تأليف د/ محفوظ علي عزام، دار اللواء للنشر والتوزيع ط1، 1404هـ.
4- "محاضرات في الثقافة الإسلامية"، أحمد محمد جمال، ط5، 1398هـ.
5- "الثقافة الإسلامية وتحديات العصر"، د/ شوكت محمد عليان، الرياض دار الشواف، ط2، 1416هـ.
6- "الثقافة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة"، د/شعبان محمد إسماعيل، الرياض، دار المريخ 1400هـ.
7- "تفسير القرآن العظيم" للإمام ابن كثير، دار المعرفة، ط9، 1417هـ.
8- "معالم الثقافة الإسلامية"، د/ عبدالكريم عثمان، مؤسسة الرسالة، ط4، 1409هـ.
9- "جند الله ثقافة وأخلاقًا"، سعيد حوى، القاهرة مكتبة وهبة، ط3، 1400هـ.
10- "تصحيح المفاهيم في ضوء الكتاب والسنة"، أنور الجندي، دار الاعتصام، 1977م.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[1] "مُحاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص3.
[2] المرجع السابق ج1 ص5.
[3] المرجع السابق ج1 ص7.
[4] المرجع السابق ج1 ص11.
[5] المرجع السابق ج1 ص11.
[6] المرجع السابق ج1 ص12.
[7] المرجع السابق ج1 ص12.
[8] المرجع السابق ج1 ص13.
[9] المرجع السابق ج1 ص15.
[10] المرجع السابق ج1 ص15.
[11] المرجع السابق ج1 ص31.
[12] المرجع السابق ج1 ص44 – 45.
[13] المرجع السابق ج1 ص46.
[14] المرجع السابق ج1 ص47.
[15] المرجع السابق ج1 ص56.
[16] المرجع السابق ج1 ص57 .
[17] المرجع السابق ج1 ص60.
[18] المرجع السابق ج1 ص67.
[19] المرجع السابق ج1 ص73.
[20] جاء في خطة المناهج العسكرية والثقافية لكلية الملك خالد العسكرية ص2 ما نصه: " يمكن إجمال المنابع التي نهلت منها الخطة بما يلي: الإسلام بوصفه الأساس العقدي الذي يقوم عليه كِيان المملكة العربية السعودية".
[21] ج1 ص1.
[22] ج1 ص1.
[23] المرجع السابق ج1 ص3 – 4، وانظر: "الخطة الدراسية" ص98.
[24] المرجع السابق ج1 ص4.
[25] المرجع السابق ج1 ص5، وانظر: "نظرات في الثقافة الإسلامية" تأليف د/ محفوظ علي عزام ، دار اللواء للنشر والتوزيع ط1 1404هـ، ص11، و"محاضرات في الثقافة الإسلامية"، أحمد محمد جمال، ط5 1398هـ، ص14.
[26] المرجع السابق ج1 ص5.
[27] المرجع السابق ج1 ص5.
[28] انظر: "الخطة الدراسية"، ص98، و"نظرات في الثقافة الإسلامية"، ص35.
[29] انظر: "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص7.
[30] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص9.
[31] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص9.
[32] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص9، وانظر: "الثقافة الإسلامية وتحديات العصر"، د/شوكت محمد عليان، الرياض:دار الشواف، ط2 1416هـ، ص108.
[33] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص10.
[34] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص7.
[35] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص8.
[36] انظر: "نظرات في الثقافة الإسلامية" ص33.
[37] انظر: "الثقافة الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة" د/ شعبان محمد إسماعيل، الرياض دار المريخ 1400هـ ص14.
[38] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص12.
[39] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1ص12.
[40] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج 1ص12.
[41] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1ص13 - 14.
[42] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص16.
[43] انظر: "الثقافة الإسلامية وتحديات العصر"، ص134 – 135.
[44] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص18.
[45] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص20.
[46] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص22.
[47] انظر: "الخطة الدراسية" ص98
[48] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص33، و"معالم الثقافة الإسلامية" ص21.
[49] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص34.
[50] انظر: "تفسير القرآن العظيم" للإمام ابن كثير، دار المعرفة، ط9، 1417هـ 4/563.
[51] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص38.
[52] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج1 ص39.
[53] "الخطة الدراسية" ص100، و"معالم الثقافة الإسلامية" د/ عبدالكريم عثمان، مؤسسة الرسالة ط14، 1409هـ، ص158.
[54] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص5.
[55] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص42.
[56] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص57.
[57] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص64.
[58] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص75.
[59] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص5 – 38، و"نظرات في الثقافة الإسلامية" ص169.
[60] "الخطة الدراسية"، ص100.
[61] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص42.
[62] "الخطة الدراسية" ص101.
[63] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص60.
[64] "الخطة الدراسية" ص101.
[65] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص64.
[66] "الخطة الدراسية" ص 101.
[67] "محاضرات في الثقافة الإسلامية" ج2 ص75 – 83، وانظر: "الثقافة الإسلامية وتحديات العصر" ص275.
[68] هذا المبحث يشمل مقررات المستوى الثالث والطلاب الجامعيين. انظر: "الخطة الدراسية" ص101.
[69] انظر: "جند الله ثقافةً وأخلاقًا"، سعيد حَوّى، القاهرة مكتبة وهبة ط3،1400هـ ص 311.
[70] "مذكرة الثقافة الإسلامية" ج3 ص6.
[71] "مذكرة الثقافة الإسلامية"، "دورة الضباط الجامعيين"، ص 7.
[72] "مذكرة الثقافة الإسلامية"، "دورة الضباط الجامعيين"، ص 9.
[73] "الخطة الدراسية" ص102.
[74] "مذكرة الثقافة الإسلامية ج3" القسم الثاني ص1.
[75] "مذكرة الثقافة الإسلامية ج3" القسم الثاني " ص8.
[76] "مذكرة الثقافة الإسلامية ج3" القسم الثاني " ص 13.
[77] انظر: "تصحيح المفاهيم في ضوء الكتاب والسنة"، أنور الجندي، دار الاعتصام 1977، ص28.
[78] "مذكرة الثقافة الإسلامية" ج3، القسم الثاني؛ ص24.
[79] "مذكرة الثقافة الإسلامية" ج3، القسم الثاني، ص33.
[80] "مذكرة الثقافة الإسلامية" ج3، القسم الثاني، ص43.
[81] "مذكرة الثقافة الإسلامية" ج3، القسم الثاني، ص51.