الأحد، 24 يناير 2010

الثقافة الإسلامية تخصص علمي


الثقافة الإسلامية تخصص علمي
أ. د. محمد بن يحيى بن حسن النجيميمقالات ذات صلةتاريخ الإضافة: 7/6/2007 ميلادي - 21/5/1428 هجري زيارة: 2616
الثقافة الإسلامية تخصص علمي
من تخصصات العلوم الإسلامية وتخصص دقيق في الدراسات العليا
مقدمة:
شهد العالم الإسلامي في الربع الثالث من القرن العشرين يقظة إسلامية، فقد استطاعت معظم أقطار العالم الإسلامي أن تتحرر من الاحتلال الأجنبي وتنعم بحياة الاستقلال، وبدأت خيرات البلاد الإسلامية وكنوزها تعود إلى أهلها شيئًا فشيئًا، وظهرت هنا وهناك دعوات إلى إقامة المجتمع الإسلامي الذي يعتمد نظام الإسلام في شؤون الحياة كلها، وقامت نهضة علمية واقتصادية وصناعية حققت كثيرًا من أحلام المصلحين وآمالهم.
غير أن الصورة المضيئة لم تكن كاملة، فقد شهد هذا العالم كوراث ونكبات، وتعرض لانقسامات ومظاهر من الانحراف والبعد عن الطريق القويم تفوق ما مر عليه طيلة قرون طويلة[1].
كل هذا يجعل أمرًا محتمًا أن يعرض الإسلام على حقيقته عرضًا شاملاً واضحًا بحيث تبدو جميع معامله متناسبة الأجزاء، مع بيان حكمة تعاليم الإسلام وتفوق مبادئه على جميع الأديان والمذاهب والأنظمة الأخرى.
إن مادة الثقافة الإسلامية تحرص على إعطاء الطالب صورة شاملة عن الإسلام قبل أن يدخل في التفصيلات، فهي لا تبحث في التوحيد أو الفقه أو التفسير أو غيرها من العلوم الإسلامية كعلوم قائمة بذاتها ولكنها تستفيد من هذه العلوم جميعًا للتعرف على حقيقة الإسلام، وروح الثقافة والحضارة الإسلامية وطبيعة هذا الدين المتميز الذي يجمع بين رغبات الروح والجسد.
قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآْخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}[2][3].
ومن هنا نشأت فكرة أن الثقافة الإسلامية تخصص علمي من تخصصات العلوم الإسلامية، وتخصص دقيق في الدراسات العليا، وذلك لأن تخريج معلمين متخصصين في تدريس الثقافة في المراحل الأولى والمراحل الجامعية يتطلب متخصصين في هذا الفن ومن هنا نشأت أقسام للثقافة الإسلامية في أكثر جامعاتنا وأقسام للدراسات العليا لهذا الفن الجديد.
وقد تلقت كلية الملك فهد الأمنية دعوة كريمة من جامعة الملك فيصل لحضور هذه الندوة المباركة واخترت أن أكتب في المحور الأول وهو "الثقافة الإسلامية تخصص علمي من تخصصات العلوم الإسلامية وتخصص دقيق في الدراسات العليا".
ويتناول الموضوعات التالية:
1- نشأة علم الثقافة الإسلامية وتميزه عن التخصصات الإسلامية الأخرى.
2- الاختلاف في تعريف الثقافة الإسلامية والتعريف المعتمد تدريسه.
3- منهج البحث لعلم الثقافة الإسلامية.
4- مصادر علم الثقافة الإسلامية.
5- قضايا علم الثقافة الإسلامية وأثرها في الحياة المعاصرة.
6- الصورة المعاصرة لتأصيل علم الثقافة الإسلامية كتخصص في برامج الدراسات العليا.
وفي الختام أسأل الله أن يلهمنا الرشد والصواب وأن يرزقنا صدق النية وحسن العمل.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أولاً: نشأة علم الثقافة الإسلامية وتميزه عن التخصصات الإسلامية الأخرى:
إن علم الثقافة الإسلامية بمفهومه الشامل المتضمن دراسة الكليات الإسلامية وأًوله في الوجود كله قد نشأت أولاً من منهج الكتاب والسنة في عرض رسالة الإسلام بجوانبها المتعددة في وحدة متكاملة، كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[4]، وقوله: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[5]، وقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[6]، وقوله: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ}[7].
فهذه الآيات القرآنية جمعت في نسق واحد توجيهات تشريعية عملية وعقدية، وأخلاقية، وتربوية، هي جميعًا من صميم علم الثقافة الإسلامية، ثم نشأت ثانيًا من منهج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين فهموا رسالة الإسلام وأهدافه فهمًا عميقًا شاملاً يدل عليه الرسائل المتبادلة بين الخلفاء الراشدين وعمالهم وولاتهم في شموليتها لكل جوانب الإسلام. وسار أئمة العلم على هذا المنهج بعد الصحابة، وكانوا علماء بالإسلام كله لا ببعض أجزائه[8].
وفي العصر الحاضر حينما سهل الاتصال بين الناس وتيسرت وسائل المعرفة جهدت التيارات الهدامة في نشر مبادئها فأصبح من السهل على الإنسان أن يأخذ تصورًا كاملاً عن مذهب ما من تلك المذاهب من خلال كتاب واحد يجمع أصوله في كل النظم[9].
فاتجه بعض العلماء والمفكرين غيرة على دين الله وتقديمًا للبديل الصحيح المتمثل بالإسلام إلى الدراسة الشمولية للإسلام من خلال بيان النظم الإسلامية أو النظام الإسلامي في مجال التربية والصحة والأسرة والسياسة والاقتصاد ونحوها من الموضوعات.
كما يقوم على دراسة الشبهات التي أثارها بعض المفكرين اللبراليين والمستشرقين، فيما يتعلق بالمرأة وعملها، والرق، والوحي، والنبوة، والزواج، والتاريخ المزيف عن المسلمين أو الإسلام. ودراسة الاستشراق وبيان ما فيه من المفاسد والمصالح.
ويقوم أيضًا على دراسة التيارات الفكرية الحديثة كالعلمانية والوجودية والرأسمالية والماسونية والصهيونية وغيرها من المذاهب والفرق الضالة. وبيان أخطائها وأخطارها[10].
ثانيًا: الاختلاف في تعريف الثقافة الإسلامية والتعريف المعتمد تدريسه في المرحلة الجامعية:
نظراً لكون كلمة الثقافة ذات أبعاد كبيرة ودلالات واسعة يضيق عن استيعابها النطاق اللغوي لأصل الكلمة، ونظرًا لكون هذه الكلمة من الألفاظ المعنوية التي يصعب على الباحث تحديدها؛ شأنها في ذلك شأن لفظ: التربية والمدنية وغيرهما من المصطلحات التي تجري على الألسن دون وضوح مدلولاتها في أذهان مستعمليها. ونظرًا لكون علماء العربية والإسلام لم يستعلموا كلمة الثقافة بالمعنى الواسع ولم يقيموا علمًا مستقلاً يسمى بالثقافة، وإنما جاء التعبير بهذه الكلمة وليد الأبحاث والدراسات الحديثة. نظرًا لهذا كله فإنه لم يوجد حتى الآن تعريف محدد متفق عليه لمصطلح الثقافة الإسلامية وإنما هي اجتهادات من بعض العلماء والمفكرين الإسلاميين، ومن هنا تعددت التعريفات لهذا المصطلح.
فثمة اتجاه يجعل (حياة الأمة الإسلامية) أساسًا يدور عليه التعريف، وبهذا تكون الثقافة الإسلامية مرادفة للدراسات الإسلامية أو العلوم الإسلامية.
وثمة اتجاه يرى أن الثقافة الإسلامية علم جديد، له موضوعاته الخاصة التي تميزه عن غيره من العلوم الإسلامية كالحديث أو التفسير أو الفقه.
ونظرًا لهذه الاتجاهات تعددت التعريفات بحسب التصورات على النحو التالي:
1- التعريف العام للثقافة الإسلامية (معرفة مقومات الأمة الإسلامية العامة، بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، من دين ولغة وتاريخ وحضارة، وقيم وأهداف مشتركة بصورة واعية هادفة).
ويقوم هذا التعريف على دراسة حياة الأمة الإسلامية من جميع جوانبها على أساس أن لكل أمة ثقافتها التي هي عنوان عبقريتها وثمرة اجتهادها.
2- التعريف الخاص للثقافة الإسلامية (معرفة مقومات الدين الإسلامي، بتفاعلاتها في الماضي والحاضر، والمصادر التي استقيت منها هذه المعوقات، بصورة نقية مركزة).
ويعني هذا التعريف دراسة العلوم الإسلامية الصرفة بجوانبها المتعددة مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية وما أضافه علماء العقيدة والتفسير والحديث والفقه والسيرة من ثمرات الفكر الجاد والاجتهاد الأمين.
التعريف المميز للثقافة الإسلامية:
معرفة التحديات المعاصرة، المتعلقة بمقومات الأمة الإسلامية ومقومات الدين الإسلامية صورة مقنعة موجهة.
ويقوم هذا التعريف على دراسة العلوم العصرية الجديدة التي أخذت تتطلب من المسلمين استخلاص الكائنات الفكرية من شتات التراث الإسلامي، وتقديمها في بحوث مستقلة متكاملة، لمواجهة التحديات العلمية الغربية في مجالات التربية والصحة والعلم والأسرة والسياسة والاقتصاد وغيرها من الموضوعات.
كما يقوم على دراسة الشبهات فيما يتعلق بالمرأة وعملها، والرق، والوحي، والنبوة... الخ.
ويقوم أيضًا على دراسة التيارات الفكرية المعاصرة كالعلمانية والوجودية والماسونية والرأسمالية وغيرها من المذاهب والفرق الضالة.
وعلى هذا المعنى تكون الثقافة الإسلامية علمًا مستقلاً مميزًا عن غيره من العلوم الإسلامية الأخرى، كالتفسير والحديث والفقه، وهو علم جديد له موضوعاته الخاصة وأسلوبها الخاص وكتابه الخصوصيون، جاء ميلاده وظهوره على إثر التحديات المعاصرة للإسلام والمسلمين[11].
وتستطيع الثقافة الإسلامية بهذا المعنى أن تلعب دور التوجيه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتربوي والصحي والعلمي والديني، لبناء القومية الإسلامية على غرار مقررات الثقافة القومية عند الأمم الأخرى.
وهذا هو التعريف المعتمد تدريسه في المرحلة الجامعية في جامعاتنا من وجهة نظري، وهذا واضح في كتاب مدخل إلى علم الثقافة الإسلامية للدكتور عبدالرحمن الزنيدي ص(2-3)، حيث قال في تعريف الثقافة الإسلامية بأنها: (علم كليات الإسلام في نظم الحياة كلها بترابطها) وهو أستاذ الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة بالرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وكذلك واضح في مقدمات الثقافة الإسلامية للدكتور مفرح بن سليمان الجوس الأستاذ المساعد بقسم الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة جامعة الإمام ص:29، حيث قال معلقًا على تعريف الزنيدي السالف الذكر، ولعل هذا التعريف الأخير هو أفضل تلك التعريفات وأقربها إلى الصواب لاشتماله على موضوعات الثقافة الإسلامية الرئيس، ولأنه تعريف كلي وليس تعريفًا جزئيًا.
ووضح في كتاب دراسات في الثقافة الإسلامية تعريف الدكتور محمد عبدالسلام محمد وآخرين) ص:13.
كما أن هذا الاتجاه معمول به في كثير إن لم يكن في كل الجامعات في العالم الإسلامي. أما الثقافة الإسلامية التي تدرس في وزارة التربية والتعليم فهي تتولى مهام الثقافة الإسلامية بمعناها العام من خلال مناهجها العامة - وهناك بعض الجامعات والمعاهد العليا تمزج بين التعريفين الثاني والثالث-.
ثالثًا: منهج البحث في علم الثقافة الإسلامية:
من أبرز القواعد المنهجية لعلم الثقافة الإسلامية ما يلي:
1- الكلية: فالثقافة الإسلامية تبحث في الإسلام بصفته كلاً مترابطًا ووحدة متكاملة وتؤكد التداخل بين نظمه من أجل أن يعطي هذا العلم آخذه تصورًا متكاملاً عن الإسلام في جوانبه المختلفة العقدية والعبادية والجانب التعليمي والخلقي والعائلي والاقتصادي والسياسي ومفاهيمه العامة كالحرية والتسامح وغيرهما[12].
2 - المقارنة: وهي من دعائم هذا المنهج لأن هذا العصر هو عصر الصراع بين المذاهب والأفكار لاسيما بين الإسلام والثقافة الغربية بفرعيها الديمقراطي والاشتراكي الاجتماعي، والمنهج المقارن يركز على تيارات الفكر المعاصر وقضاياه إلا أنه لا يغفل بحال من الأحوال التيارات والمذاهب الفكرية الغابرة المتجددة
3 - التأصيل: فمع أن علم الثقافة الإسلامية علم مقارنة إلا أن منهج هذه المقارنة تابع لمنهج التأصيل، والتأصيل بهذا المقام بحث النظم الإسلامية من خلال الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح ومنهم علماء الإسلام المعتبرون.
4 - النقد: علم الثقافة الإسلامية ليس علم مقارنة وتأصيل فحسب بل هو علم نقد في الوقت نفسه فهو ينقد بموضوعية علمية المذاهب المعاصرة الاشتراكية والتطويرية والرأسمالية أو حتى تلك التي تحارب الإسلام ونظمه كالاستشراق والتنصير[13].
رابعًا: مصادر علم الثقافة الإسلامية:
مصادر الثقافة الإسلامية تنقسم إلى قسمين أصلية وفرعية:
1- المصادر الأصلية:
أ ) القرآن الكريم: فالقرآن هو المصدر الأول للثقافة الإسلامية فيه خبر من قبلنا ونبأ من بعدنا وفضل ما بيننا، وهو سجل الكون الإلهي ونظام الحياة العالمية، وقد اشتمل على أحكام ثابتة كالعقيدة والأخلاق والآداب وجميع ما نص عليه بنصوص قطعية الثبوت والدلالة وأخرى متغيرة لكن كلها قواعد وأصول كلية وصدق الله إذ يقول: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[14] وقوله: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}[15].
ب ) السنة المطهرة وهي المصدر الثاني للتشريع وهي التي جاءت مفسرة وموضحة ومؤكدة ومفصلة ومخصصة لمجمل وعلوم القرآن الكريم.
2- المصادر الفرعية فكثيرة منها الإجماع والقياس والاستحسان والمصلحة المرسلة وغيرها بشرط ألا تخالف نصً في كتاب أو سنة أو أصلا مجمع عليه من علماء الأمة الإسلامية وتشمل أيضًا التراث الإسلامي وكل ما ورثناه عن السلف الصالح من علوم ومعارف وأفكار واجتهادات في شتى المجالات المختلفة وتشمل أيضًا الخبرات الإنسانية النافعة مع أن الإسلام يؤكد على الاستقلال والتميز لكنه يكره العزلة عن الناس والحياة والمسلم كائن اجتماعي وإنساني وعلى هذا فالخبرات الإنسانية النافعة خليق بأن تكون مصدرًا إضافيًا للثقافة الإسلامية، على أن تكون من أمور الدنيا التي لا تتعارض مع نصوص القرآن والسنة والقواعد والكليات المتفق عليها في الشريعة الإسلامية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أنتم أعلم بشؤون دنياكم)) أخرجه مسلم[16](16).
خامسًا: قضايا علم الثقافة الإسلامية وأثرها في الحياة المعاصرة:
أهم القضايا التي تبحثها الثقافة الإسلامية هي:
أولاً: نظم الدين الإسلامي ومن أهمها ما يلي:
1- نظام العقيدة.
2- نظام العبادة.
3- نظام الدعوة والاحتساب.
4- النظام التعليمي.
5- النظام الخلقي.
6- النظام العائلي.
7- النظام الاقتصادي.
8- النظام السياسي.
وهذه النظم يبحثها علم الثقافة من حيث مصدرها، وأسسها، وخصائصها وأهدافها وآثارها ومسائلها الكبرى وأما التفصيلات فشأن المتخصصين في هذه النظم.
ثانيًا: المفاهيم المتعلقة بالنظام الإسلامي ومنهجه:
مثل: الحرية، والتسامح الديني، والعلم، والتجديد في مجال الدين، وحقوق الإنسان المدنية وغيرها فهذه المفاهيم يسعى علم الثقافة إلى تأصيلها على أساس من المنهجية الإسلامية المعتمدة على الكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح، ودفع المفاهيم الخاطئة فيما يتعلق بالموضوعات السالفة الذكر.
ثالثًا: القوى المعادية للإسلام وأهله:
ومن أهمها الاستشراق والتنصير والماسونية والصهيونية، حيث يبحث علم الثقافة الإسلامية شبهات هذه القوى والرد عليها وبيان ضررها على الإسلام والمسلمين.
رابعًا: المذاهب والنظريات الحديثة:
ومن أهمها الرأسمالية الاشتراكية وأما النظريات فأهمها العلمانية والتطويرية والوجودية والفرويدية، حيث يسعى علم الثقافة الإسلامية إلى بيان ما يتفق من تلك المذاهب مع الإسلام وما يختلف معه كما يسعى إلى نقد مبادئها الفاسدة وإثبات إخفاقها في إسعاد البشرية ونجاح الإسلام ومبادئه.
وأما أثرها في الحياة المعاصرة فلا شك أنه أثر كبير جدًا حيث كان المسلمون في العصور المتأخرة قد حصر بعضهم الإسلام في قضايا العقيدة والعبادة والحدود وانزوى المسلمون عن ممارسة الحياة العامة في ضوء الإسلام فجاءت الثقافة الإسلامية في ثوبها الجديد لتوضيح أن الإسلام نظام شامل وكامل للحياة وأن العبادة في الإسلام كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة. كما تم تبيين مفاهيم الحرية والديموقراطية والمدنية وغيرها من المفاهيم بما يتفق ومبادئ الدين الإسلامي.
كما ناقشت الثقافة الإسلامية المذاهب المعاصرة وناقشت شبهها ومناهجها نقاشًا علميًا هادئًا ومن هنا نشأت ثقافة إسلامية متميزة واستطاع الكتَّاب الإسلاميون أن يصنعوا الشخصية الإسلامية المتميزة التي تسعى إلى بناء حضارة وثقافة إسلامية خاصة مع الاستفادة من النظريات الأخرى بما لا يتعارض مع عقيدتنا الإسلامية الصافية[17].
وأدى إلى تصنيف الثقافة الإسلامية في المجال العقدي دراسة تأصيلية لقضايا الجهاد وشروطه وضوابطه حيث كثر الخلط في هذه النقطة عند كثير من شبابنا المعاصرين وكذلك الولاء والبراء وفي المجالات العامة التركيز على قضايا حقوق الإنسان بمفهومها الإسلامي وتطبيقاتها في أنظمتنا المعاصرة والتركيز على بيان حقوق غير المسلمين من المواطنين وغيرهم والتحدث عن المواطنة وبيان منهج الفكر الإسلامي فيها وأنها في محصلتها لا تتعارض مع أصول وقواعد الشريعة الإسلامية، وكذلك الحديث عن قضايا الإرهاب وموقوف الإسلام منها والشبهات التي تثار في هذا الجانب والحديث عن مفهوم الأمن في الإسلام ومبادئه وركائزه.
وقد قامت كلية الملك فهد الأمنية بمناقشة هذه القضايا في منهج الثقافة الإسلامية الجديد وكذلك منهج مادة حقوق الإنسان.
خامساً: الضرورة المعاصرة لتأصيل علم الثقافة الإسلامية كتخصص من برنامج الدراسات العليا:
بما أننا قد توصلنا إلى أن الثقافة الإسلامية علم جديد ومعاصر وأنه أصبح مستقلاً عن غيره من العلوم الإسلامية له موضوعاته الخاصة وأسلوبه الخاص وكتابه الخصوصيون فإن بقاءه وتطوره مرهون بتخريج أجيال تقوم بتأصيله وتطويره وتدريسه في جميع المراحل وخاصة المراحل الجامعية، فقد دأبت بعض الجامعات الإسلامية كجامعة الأزهر، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة إلى جعل الثقافة الإسلامية قسمًا متخصصًا ولكن مع الدعوة فسمته قسم الدعوة والثقافة الإسلامية ومنحت جامعة الأزهر رسائل الماجستير والدكتوراه في الثقافة الإسلامية، وأما جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فقد أنشأت قسمًا خاصًا سمته قسم الثقافة الإسلامية في كلية الشريعة وكان يمنح رسائل الماجستير والدكتوراه في مجال الثقافة الإسلامية ولكنها أوقفت الدراسات العليا في هذا التخصص ولا ندري ما السبب. ولكن بقاءه مغلقًا يمثل تراجعًا كبيرًا لهذه الجامعة العظيمة ولكن بعض التيارات الفكرية التي تدعي السلفية كان لها دور في هذا الأمر.
وإني لأرجو من جميع الجامعات الإسلامية أن تحرص على الدراسات العليا في مجال الثقافة الإسلامية حتى نخرج المفكرين الإسلاميين الذين يتصدون للقضايا المعاصرة في مجالات الفكر والمذاهب الفكرية المعاصرة.
وإني لأرجو أن تكون جامعة الملك فيصل بالأحساء سباقة إلى هذا الأمر والله أسأل للجميع التوفيق والسداد.
الخاتـمة:
توصلت في هذه الورقة المختصرة إلى نتائج من أهمها:
1- أن علم الثقافة الإسلامية علم جديد نشأ في القرن العشرين نتيجة الهجمة الشرسة على الإسلام والمسلمين.
2- اختلف الباحثون المعاصرون في تعريف الثقافة الإسلامية لكن رجحت أن تعريف الثقافة الإسلامية هو: ((معرفة التحديات المعاصرة المتعلقة بمقومات الأمة الإسلامية ومقومات الدين الإسلامية بصوره مقنعة وموجهة)) وبهذا التعريف تكون الثقافة الإسلامية علمًا مستقلاً.
3- تبحث الثقافة الإسلامية الإسلام بصفته كلاً مترابطًا ووحدة متكاملة وأن الثقافة الإسلامية تؤصل وتنقد، تؤصل الإسلام من خلال نظمه الإسلامية لتنتقد المناهج المعاصرة نقدًا علميًا.
4- الثقافة الإسلامية لها مصادر أصلية هي القرآن والسنة وفرعية هي المصادر التشريعية الأخرى والتراث الإسلامي والخبرات الإنسان التي لا تتعارض مع الدين الإسلامي.
5- تناقش الثقافة الإسلامية نظم الدين الإسلامي والمفاهيم العامة مثل الحرية والتسامح الديني والعلم والقوى المعادية للإسلام والمذاهب والنظريات الحديثة.
6- أن الضرورة تقتضي تأصيل علم الثقافة الإسلامية كتخصص دقيق في الدراسات العليا لتخريج معلمي الثقافة الإسلامية في الدراسات العليا والجامعية وتخريج المتخصصين والمفكرين الإسلاميين في هذا المجال.
ـــــــــــــــــــــ
[1] معالم الثقافة الإسلامية، تأليف عبدالكريم عثمان، ط3، الرياض، مؤسسة الأنوار، 1399هـ-1979م، ص(3).
[2] سورة القصص، الآية (77).
[3] انظر: معالم الثقافة الإسلامية، ص(7-8).
[4] سورة الحج، الآية (77).
[5] سورة الأعراف، الآية (29).
[6] سورة آل عمران، الآية (104).
[7] سورة الحديد، الآية (25).
[8] راجع مقدمات في الثقافة الإسلامية لمفرح بن سليمان القوس، ط2، دار الغيث للنشر، الرياض، 1418هـ-1998م، ص(30)، وراجع مدخل إلى الثقافة الإسلامية لعبدالرحمن الزنيدي، ص(2-3).
[9] مقدمات في الثقافة الإسلامية، ص(31).
[10] راجع دراسات في الثقافة الإسلامية، تأليف محمد عبدالسلام محمد وآخرون، ط5، الكويت، مكتبة الفلاح، 1408هـ-1987م، ص(12-13).
[11] راجع فيما مضى دراسات في الثقافة الإسلامية، ص(11-13)، ومقدمات في الثقافة الإسلامية، ص(27-29)، ومدخل إلى الثقافة الإسلامية، تأليف سعود بن سلمان آل سعود ونعمان السامرائي، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1419هـ-1998م، ص(29)، ونظرات في الثقافة الإسلامية، تأليف محفوظ على عزام، الرياض، دار اللواء، 1404هـ-1984م، ص(28-23)، وأضواء على الثقافة الإسلامية، لنادية شريف العمري، ط7، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1477هـ-1997، ص(17).
[12] راجع: مقدمات في الثقافة الإسلامية ص(33-34)، وأضواء على الثقافة الإسلامية ص(49-50)، ودراسات في الثقافة الإسلامية ص(12).
[13] راجع: مقدمات في الثقافة الإسلامية ص(35-35)، ودراسات في الثقافة الإسلامية ص(12، 13).
[14] سورة الأنعام، الآية (38).
[15] سورة الإسراء، الآية (9).
[16] راجع فيما سبق دراسات الثقافة الإسلامية ص(26 حتى 28)، ومدخل إلى الثقافة الإسلامية ص(47)، ومقدمات في الثقافة الإسلامية ص(35-36)، ونظرات في الثقافة ألإسلامية ص(33).
[17] راجع: مقدمات في الثقافة الإسلامية ص(32-33)، ونظرات في الثقافة الإسلامية ص(31-32)، ودراسات في الثقافة الإسلامية ص(24-25).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق